13 سبتمبر 2025

تسجيل

الخيال وتتبعه

27 فبراير 2018

في فترة من الفترات، ومن أجل الحصول على إيحاءات أو بهارات للكتابة كما أسميها، كنت أهتم برسائل الاحتيال التي تأتي لبريدي الإلكتروني يوميا، ولا بد تغزو بريد كل متعامل مع الإنترنت، تلك الرسائل التي تبشر الناس بأنهم ربحوا ملايين الدولارات، وعليهم الاتصال فورا بالمرسل لإثبات الهوية، من أجل صرف الربح، وطبعا هو مجرد بيع للوهم، والنوع الآخر الذي يدعى مرسله دائما أنه من الأثرياء الوارثين، ويريد أن يغادر الدنيا نظيفا بعد اكتشافه إصابته بمرض السرطان، وقد اختار هذا الشخص ليمنحه المال، حتى يتصرف فيه كما يشاء، بعد أن ينفق حصة منه على عمل الخير. حقيقة معظم هذه الرسائل، عادية، فجة، بلا أي خيال، أو بهار يجذب قارئها للوقوع في الفخ، وهي تكرار لبعضها بطريقة مملة ومؤسفة، لكن تشدني في بعض نادر منها، لغة جيدة أو ذكر ما يمكن تتبعه، تماما مثل الخيال الكتابي المحفز للمتابعة والتقصي. وقد تلقيت مرة رسالة يقول صاحبها، إنه روربرت عبد الله، وزير النقل في حكومة إحدى الدول الأفريقية، وسمى تلك الدولة، وأنه كوزير يملك صلاحية أن يمنحني مشروع خط للسكة الحديد، هو من سيموله، فقط سأكون واجهة بوصفي مستثمرا أجنبيا، وأحصل على عشرات الملايين من الدولارات. إنها رسالة احتيال عادية، لكن الخيال الذي صيرها، صادرة من وزير حالي في حكومة بلد بعينه موجود على خريطة العالم، حفزني للبحث، وقضيت وقتا مضنيا، أبحث عن أعضاء تلك الحكومة، من رئيس وزرائها إلى أصغر وزير للدولة، وخفق قلبي وأنا أطالع اسم وزير النقل، ولم يكن روبرت عبد الله. إذن التفاعل مع الخيال جيد، ومهم فعلا، ورغم قسوة ما يمكن أن يخرج به المتفاعل مع نص خيالي من ألم لعدم تطابق رغبته مع واقع الحال، إلا أن مجرد تفعيل الخيال لمطاردة خيال مبدع أنتج نصا، يعد إبداعا أيضا، ودائما ما أردد، أننا لا نحتاج لكتابة الواقع كما نعيشه، وإنما كما نحلم به.