13 سبتمبر 2025

تسجيل

التعزية للتسرية

27 فبراير 2014

تمر على الناس أوقات يحزن فيها وأخرى يفرح ، ويشتد الأمر على أهل الصلاح حين يتهموا بما هم منه براء، ويصاب صاحبه بالحزن والضجر ، وقد علمنا القرآن أن الثبات على الحق والصبر على الطريق واجب لا ينبغي الحيدة عنه أو الهروب ، ويستعان على طول المسير بالتسرية مع اليقين أن الحق في النهاية منتصر وأن الظلم في خاتمته سينكسر ، ومن أوضح الآيات التي تبين لنا هذا اللون من التسرية قول الله تعال لنبيه : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) أي قد نعلم ما قالوا فيك وهم إنما قالوا ذلك بسَببِنَا ولأَجْلِنا . ولقد كُنْتَ عظيمَ الجاه فيهم قبل أن أوقعنا عليكَ هذا الأمر؛ وكانوا يسمونك محمداً الأمين ، فإنْ أصابَكَ ما يصيبك فَلأَجْلِ حديثنا، وهذا غيرُ ضائعٍ لك عندنا ، وحالُكَ فينا كما قيل :أشاعوا لنا في الحيِّ أشنع قصةٍ ... وكانوا لنا سِلْما فصاروا لنا حَربافاصبر فإنَّ مَنْ سَلَكَ سبيلَنا وصبر على ما أصابه ، فأبدا لا تخسر فينا صفقتُه ، ولا تخفى علينا حالتُه. وهذه الواقعة التي وصلت إلى آذان المصطفى تبرز لنا حقيقة موقف القوم الحق من رسول الله ودينه. كان بطلا القصة : الأخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام. فهيا بنا أيها الأحبة نسترق السمع ننظر ماذا يقول الأخنس وبما يجيب أبو جهل . يقول الأخنس : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب ؟ فإنه ليس هنا من يسمع كلامك غيري؟يجيب أبو جهل: والله إن محمدا لصادق! وما كذب محمد قط ! ولكن إذا ذهب بنو قصى باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟!وقيل : أن رجلا من قريش يقال له : الحارث بن عامر ، قال : والله يا محمد ما كذبتنا قط فنتَّهِمَك اليوم ، ولكنا إن نتَّبعْك نُتَخَطَّفْ من أرضنا . وقال مقاتل : كان الحارث بن عامر يكذِّب النبي في العلانية، فاذا خلا مع أهل بيته ، قال : ما محمد من أهل الكذب .وقيل: إن المشركين كانوا إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا فيما بينهم : إنه لَنبي. وقيل: إن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا لا نكذبك ، ولكن نُكذب الذي جئت به وقال أبو يزيد المدني : لقي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل فصافحه أبو جهل ، فقيل له : أتصافح هذا الصابئ؟ فقال : والله إني لأعلم أنه نبي ، ولكن متى كنا تبعاً لبني عبد مناف؟ ويروي أبو ميسرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأبي جهل وأصحابه فقالوا: يا محمد إنا والله ما نكذبك، وإنك عندنا لصادق، ولكن نكذب ما جئت به.والحوادث لا تتعارض فقد كانت قريش عن بكرة أبيها تعلم صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه الجحود والعناد كما قال تعالى : وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَهذا كان شأن هؤلاء المعاندين المكذبين ، فما شأن المسلمين المؤمنين المصدقين بالله ربا وبالرسول نبيا وبالقرآن دستورا ومنهاجا ؟ للأسف إننا اليوم –إلا من رحم- نقع في لون من هذا الكلام ، فنؤمن بالحكم ولا نطبقه، وندرك الحكمة ولا نهتدي إلي العمل بها، ومع أن الفارق بيننا وبين القوم كبير فنحن آمنا وهم كفروا، إلا أننا أيضا ظلمنا أنفسنا بعدم الاتباع وظلمنا غيرنا بسوء الاقتداء ، وظلمنا ديننا بعدم إظهاره كما هو شعلة إيمانية متحركة .إن الإسلام يحتاج منا إلى تصديقه وأعني تصديق الأفعال للأقوال، فكم هو جميل أن نتحرك بالإسلام، أن ننقل محراب المسجد إلى محراب الكون، أن تكون حياتنا وأعمالنا ووظيفتنا وطعامنا وشرابنا كله بالإسلام وللإسلام .