17 سبتمبر 2025

تسجيل

أخطاء أمنية تكلف الاقتصاد البحريني

27 فبراير 2011

هناك مقولة مميزة في علم الإدارة مفادها أن الإنسان حر في اختيار القرار ولكن ليست تداعياته تماما كمن يقود سيارته بسرعة فائقة، ويبدو لي بأن هذه المقولة تنطبق بالضرورة على البحرين وتحديدا طريقة التعامل الأمني مع المسيرات السلمية المطالبة بإجراء إصلاحات، فقد لجأت الجهات الأمنية لخيار العنف بادئ الأمر الذي ألحق أضرارا لا تقدر بثمن بالاقتصاد البحريني على المديين القصير والمتوسط. إلغاء الفورمولا واحد باختصار، تشمل التداعيات الاقتصادية لسياسة العنف في التعامل مع المظاهرات السلمية التسبب في إلغاء سباق الفورمولا واحد وتخفيض الملاءة المالية للبحرين ونقل أحد المؤتمرات المالية من البحرين إلى دبي فضلا عن حصول تراجع للحركة على جسر الملك فهد. ففي خطوة نادرة، تقرر إلغاء فعالية الفورمولا واحد في شهر مارس في البحرين والتي كانت من المفترض أن تكون فاتحة موسم للعام 2011. ويمثل إلغاء فعالية الفومولا واحد ضربة قوية لجهود البحرين بفرض نفسها كمركز رئيس لسباق السيارات على مستوى الشرق الأوسط، وكانت البحرين قد استضافت الفعالية الرياضية الاقتصادية للمرة الأولى في العام 2004 لكن انضمت إليها أبو ظبي باستضافة إحدى مراحل المسابقة ابتداء من العام 2009، ومن المقرر أن تستضيف أبو ظبي المرحلة رقم 18 أي قبل الأخيرة إلى شهر نوفمبر من العام الجاري في ظل غياب البحرين من الموسم الجديد.تشتهر هذه المسابقة والتي تعد ثالث أشهر رياضة بعد الأولمبياد وكأس العالم من حيث عدد المشاهدين بفرض الدولة المضيفة على خارطة الرياضة العالمية لمدة ثلاثة أيام متتالية، من جملة الأمور، تساهم الفعالية في تحقيق مكاسب اقتصادية بالنسبة للعديد من القطاعات مثل الطيران، والمواصلات والضيافة وأماكن بيع الهدايا، وفي السياق نفسه، من شأن يتسبب إلغاء فعالية الفورمولا واحد التسبب في تراجع في مجال الإنفاق الإعلاني في البحرين نظرا لقدرة هذا الفعالية على استقطاب الرعاة. وكان تقرير حديث للشركة العربية للدراسات والبحوث (بارك) قد كشف عن تسجيل نسبة نمو قدرها 37 في المائة في 2010 في الإنفاق الإعلاني في البحرين أي الأعلى على مستوى مجلس التعاون الخليجي. تتمثل الخسارة الثانية وراء قرار استخدام العنف بتوجه مؤسسات الملاءة المالية لتخفيض الدرجة الممنوحة للبحرين بسبب التخوف من تفاقم الأوضاع، ففي خطوة لافتة، قررت مؤسسة ستندارد أند بور تخفيض المستوى الائتماني للبحرين للأجلين الطويل والقصير درجة واحدة إلى (أي ناقص وأي ناقص 2) على التوالي، كما قررت المؤسسة نفسها وضع البحرين تحت المراقبة تحسبا لإجراءات جديدة في المستقبل القريب ما يشكل عبئا إضافيا للسمعة المالية للبلاد. يلاحظ في هذا الصدد إبقاء مؤسسة ستندارد أند بور في نهاية 2010 على الملاءة المالية وبالتالي عدم الانسياق وراء خطوة وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية، وكانت موديز قد انفردت من بين مؤسسات الملاءة المالية في صيف 2010 بتخفيض المستوى الائتماني للبحرين من (أي 2 إلى أي 3) بسبب مخاوف من عدم وجود مرونة كافية في وضع المالية العامة للدولة بسبب ارتفاع وتيرة النفقات الحكومية. وليس من المستبعد أن تنفذ موديز تهديدها بإجراء تخفيض آخر للمستوى الائتماني للبحرين بسبب تطورات الأوضاع السياسية والأمنية. ومن شأن إجراءات مؤسسة ستندارد أند بور فضلا عن تهديدات وكالة موديز رفع كلفة الاقتراض السيادية للبحرين ما يشكل حرجا للقائمين على إدارة دفة الاقتصاد. مؤكدا، يجب أن يوجه المسؤولون اللوم لأنفسهم لحدوث هذه التطورات السلبية بسبب اللجوء للخيار الخاطئ في التعامل مع تطورات سياسية ذات طابع سلمي بحت. من جهة أخرى، قررت مؤسسة (ميد) والتي تشتهر بإصدار مجلية أسبوعية متخصصة في الشؤون المالية والاقتصادية بمنطقة الشرق الأوسط بنقل مؤتمر مالي مزمع عقده في الفترة ما بين 28 فبراير حتى 2 مارس من البحرين إلى دبي، يتميز هذا المؤتمر بجمع الأطراف ذات العلاقة في صناعة التمويل الأمر الذي يفوت على البحرين فرصة تعزيز مكانتها كمركز مالي في المنطقة، في المقابل، من شأن نقل المؤتمر إلى دبي خدمة سمعة جهة منافسة للبحرين في صناعة الخدمات المالية. إضافة إلى ذلك، هناك خسائر ترتبط بعدم قدرة البحرين في المحافظة على عدد الزوار القادمون عبر جسر الملك مؤخرا ما يعني فقدان عدد غير قليل من المحال التجارية لزبائنهم. من جملة الأمور، يتمتع رعايا المملكة العربية السعودية، والذين عادة يزورون البحرين في عطلة نهاية الأسبوع مستفيدين من الحياة الليبرالية، بقدرات مالية والرغبة في الشراء. بل تعتمد خمسة مجمعات تجارية قريبة من دوار اللؤلؤ والتي تعتبر نقطة تجمع للمطالبين بإجراء إصلاحات في البحرين، بشكل أساس على التجارة القادمة مع الزوار من السعودية، وقد أقدم عدد من المجمعات التجارية بغلق أبوابها أكثر من مرة في الآونة الأخيرة تخوفا من حدوث صدامات. وما يبعث على الاطمئنان هو قيام السلطات قبل أكثر من أسبوع بسحب القوات النظامية فضلا عن عناصر الشغب من محيط منطقة دوار اللؤلؤ بشكل خاص الأمر الذي أسهم بعودة الحياة التجارية في هذه المنطقة الحساسة من العاصمة المنامة. كما قامت السلطات بخطوة إيجابية أخرى تمثلت في إطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين وبالتالي تهيئة الأرضية لتحقيق حلول سياسية للتحديات التي تواجه البحرين. ختاما، يحدونا الأمل بتخلي السلطات عن خيار العنف في التعامل مع التحديات التي تواجه البحرين، مؤكدا، تواجه كل دولة في العالم تحديات وفرص بحاجة لحسن التعامل معها، ويمكن الزعم بأنه ليس بمقدور قدرة خيار العنف تحقيق مكاسب قابلة للاستمرار.