13 سبتمبر 2025
تسجيلفي حالات نادرة في التاريخ، تتمكن الدول الصغيرة من حيث المساحة من اكتساب نفوذ هائل في الشؤون الإقليمية والدولية وتكون قادرة على التأثير فيه وتغيير مسار الأحداث. ذلك ينطبق اليوم على دولة قطر والتي برزت كلاعب إقليمي له دور هام في المنطقة. إذ تُعدّ من أكثر الدول تميّزاً في الشرق الأوسط، فقد تحولت إلى نموذج متفرد على المسرح العالمي، في كونها دولة حيوية ومؤثرة في محيطها؛ لأنها وضعت معايير بارزة ومؤشرات قياسية واضحة والقيام بالمبادرات والمشاريع الكبيرة والجريئة. يتحدث كتّاب ومثقفون «للشرق» عن دور دولة قطر في حلّ الكثير من الصراعات الإقليمية والدولية عبر طريق الدبلوماسية. من أجل الوصول إلى مرحلة من الاستقرار العالمي، وتجنب مزيد من التوترات والحروب. نموذج متفرّد عَملت دولة قطر منذ استقلالها في عام 1971م، على تحقيق تطور لافت للنظر تنموياً وسياسياً وإنسانياً في جميع المجالات. تجسدها اليوم على أرض الواقع سواءً بالنسبة للداخل القطري أو في علاقاتها الإقليمية والدولية. ويقول الأكاديمي السوري الدكتور محمود الحمزة المقيم في موسكو «إنَّ السياسة الخارجية القطرية تميّزت في السنوات الأخيرة بنشاط وفاعلية ملحوظة خاصةً التوسط بين أطراف النزاع في المنطقة والعالم، حيث قامت بمصالحات مهمة من خلال المؤتمرات وجلسات الحوار بين الأطراف المتنازعة». وتجدر الإشارة إلى أنَّ الدور الريادي والدبلوماسي القطري كان محورياً من خلال المساهمة الفعّالة في تحقيق السلام العالمي من خلال فض النزاعات الإقليمية. وبدوره يقول الدكتور محجوب الزويري أستاذ تاريخ الشرق الأوسط المعاصر في جامعة قطر «إنَّ قبول أطراف صراعات متعددة في بقاع متعددة بدولة قطر وسيطاً هذا دليل مصداقية السلوك القطري في السياسة الخارجية، حيث تطرح نفسها كوسيط نزيه، هدفه الأساسي الوصول إلى مرحلة من الاستقرار العالمي والإقليمي، وتجنب مزيد من التوترات والنزاعات والصراعات والحروب». القوة الناعمة برعت الدوحة في استخدام منهجية محنكة في مجال السلطة اللينة حيث تعتز بثقافتها التي أرادت من خلالها فتح مسارات مختلفة مع مختلف شعوب العالم، مستفيدة من مواردها النفطية والغازية الغنية ومفهوم متجدد للعلاقات الدولية والتعامل مع القوى الكبرى عالمياً وإقليمياً، مما سمح لها بإقامة روابط ثابتة مع الكثير منها بما فيه القيام بدور الوسيط في عدد من النزاعات في الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى من العالم. ويُعلق الدكتور محمود الحمزة على تلك الجهود في إحلال السلام في مناطق مختلفة من العالم بقوله «تقوم دولة قطر بدور كبير ومحوري في حلّ النزاعات في العالم». وكانت الدوحة توسطت في عدد من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية الشائكة، وبذلت فيها جهوداً دبلوماسية وسياسية حثيثة، حيث استضافت المفاوضات بين أطراف متنازعة أو لَعِبتْ أدواراً في تيسير الحوار بينها، ولا سيما الدور الريادي لدولة قطر في المساهمة الفعّالة في الوصول إلى اتفاق الدوحة للسلام في السودان عام (2011م). وساهمت الدبلوماسية القطرية في إحلال السلام في أفغانستان بعد صراع دامٍ استمر لأكثر من أربعين عاماً (1979- 2020م)، عجزت الدول الكبرى عن إيجاد حل له. وكذلك مساهمة قطر في حل قضية الأسرى بين الولايات المتحدة وإيران في أيلول/سبتمبر 2023م. والإفراج عن 6 مليارات دولار من أموال طهران المجمدة في كوريا. وأشار الحمزة إلى أنَّ دولة قطر على الصعيد الإنساني «لَعِبتْ دوراً مهماً في لم الشمل بالنسبة للأطفال الأوكرانيين المحتجزين في روسيا وتم إعادتهم إلى أوكرانيا». ويضاف إلى سجل الدوحة في حل النزاعات الدولية المعقدة توصل الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا إلى اتفاق يقضي بتبادل السجناء بينهما بوساطة قطرية. الدور الدبلوماسي البارز لم يقف الدور القطري عند حل الصراعات الدولية، فقد نشطت الدبلوماسية القطرية في محاولات جادة ومهمة على صعيد المساهمة في إيجاد حل للقضية الفلسطينية ولا سيما في الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023م، على خلفية عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها فصائل المقاومة الإسلامية «حماس» ضد الجيش الإسرائيلي، وقد أدارت الدوحة مفاوضات شاقة بالتعاون مع الولايات المتحدة من أجل وقف إطلاق النار في غزة وحماية السكان المدنيين. ويرى الزويري في حديثه بِأَنَّ «الموضوع الفلسطيني جزء أساسي في السياسة الخارجية القطرية وبوصلة قطر في القضية الفلسطينية، هي مصلحة الشعب الفلسطيني في أن يحصل على اعتراف بدولته المستقلة». وأضاف محجوب الزويري في حديثه لصحيفة «الشرق» بأنَّ «الوساطة القطرية تتمحور في وقف معاناة الشعب الفلسطيني بشكل أساسي والدفع باتجاه حل سياسي ومنع تكرار العدوان الإسرائيلي الهمجي على الفلسطينيين». كما أنَّ الواجب الأخلاقي والديني والإنساني يحتم عليها الوقوف مع الشعب الفلسطيني في محنته الأخيرة، حيث عَمِلت وفق القوانين الدولية في إيجاد حل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. ويُبيّنُ الحمزة في حديثه لصحيفة الشرق «أنَّ الموقف القطري من الأحداث الجارية في غزة، تميّز إعلامياً وسياسياً عن كل الدول العربية لأنها كانت إلى جانب الشعب الفلسطيني بشكل كامل وعلني». وعن الدور القطري في حقل المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، يقول الروائي السوري ثائر الناشف المقيم في النمسا «تنهض دولة قطر اليوم بدور سياسي هام ومحوري في ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إبان الحرب الجارية في قطاع غزة، ولا سيما في ملف تبادل الأسرى والرهائن بين الطرفين»، ويضيف الناشف في حديثه لصحيفة الشرق «ولعلّ قطر لن تنسى دورها الإنساني والإعماري مرة أخرى في إعادة تدوير عجلة الحياة للقطاع بعد أن تضع الحرب أوزارها، فعقب كل حرب مريرة لم تتوان قطر عن تقديم الدعم الكبير لغزة».