14 سبتمبر 2025

تسجيل

غزّة.. من أقدم المدن التي عرفها التاريخ 3-3

08 أبريل 2024

يقول المؤلف استولى الفرس على فلسطين عام 538 قبل الميلاد، وأَمَّا غزة نفسها فقد احتلوها عام 525 ق.م، وذلك في عهد ملكهم (قمبيز)، عندما سار هذا على رأس جحافله الجرارة لفتح مصر. ويُقال إنّ لقب الثروة والغنى الذي أُطلق على غزة يومئذ، ناشئ عن العقيدة السائدة بِأَنَّ ملك الفرس قمبيز دفن ثروته فيها. وكانت غزّة قد ذكرت في فتوحات أرتاكسركس الأول (466 ق.م)، وداريوس (464 ق.م)، وقد ظلّت مخلصة لحكامها الفرس خلال حروبهم مع المقدونيين، حتى أنَّ الاسكندر المقدوني عندما حاصرها عام (332 ق.م)، قاومته وجنده شهرين كاملين، وكان المدافعون عنها مزيجاً من العرب والفرس. ويرد في الكتاب أنّ التعامل بين غزة وبلاد اليونان ازداد بحيث أصبحت غزة من أهم المراكز في الشرق للثقافة اليونانية، واقتبس سكان غزة وباقي المدن الفلسطينية الأخرى الثقافة اليونانية، والفلسفة اليونانية، فحلّت هذه محلّ الثقافة السامية والفلسفة السامية. وبعد هلاك الإسكندر (323 ق.م) جاء سوتر (بطليموس الأول) من مصر واحتل غزة، وكان ذلك في عام 320 ق.م. في سنة 96 ق.م حمل (إسكندر يانيوس)على غزة حملة شعواء، غير أنه لم يستطع فتحها إلا بعد حصار سنة كاملة، ومنحوها إدارة مستقلة على عهد الملك يوليوس قيصر، حسب ما يقول الكاتب، فأعطاها إلى هيرودوس، وكان هذا يحب غزة، ويقول عنها: «إنها مدينة عظيمة». وبعد وفاة هيرودوس أصبحت غزة مقاطعة رومانية، وازدهرت في العلم والتجارة والعمران، وعاشت حرة مستقلة طيلة الحكم الروماني، وكانوا يطلقون عليها اسم (مينوا). وفي عهد هرقل (610- 641) الذي استرد فلسطين من الفرس، لبّت غزّة وسائر المدن الفلسطينية التي كانت تحت حكم البيزنطيين دعوة الإسلام، وقد فتحها العرب 636، وأصبحت بعد ذلك التاريخ عربية مسلمة. حيث اعتنق قسم كبير من الغزيين الدين الإسلامي، وبقي الآخرون على دينهم. يقول الكاتب إنَّ غزة كانت منذ قرون وأحقاب على اتصال وثيق بالعرب، وشبه جزيرة العرب، وإنَّ الذين أسسوها (المعنيين وبني سبأ) عرب أقحاح أتو إليها 3750 ق.م من قلب الجزيرة العربية، وكان أحفاد هؤلاء يقصدونها بقوافلهم بقصد التجارة؛ لأنها واقعة عند ملتقى عدد كبير من الطرق التجارية. وأضاف: كانت غزة الهدف لإحدى الرحلتين: رحلة الصيف إلى غزة ورحلة الشتاء إلى اليمن، وهنا في غزة مات هاشم بن عبد مناف جد الرسول- صلى الله عليه وسلم- أثناء إحدى رحلات الصيف، وفيها قبره، ولذلك سُميت من بعده (غزة هاشم). ودُفِنّ في قبة الشيخ رضوان. وهنا في غزة عاش أيضاً عمر بن الخطاب ردحاً من الزمن، وعلى قول أنه أثرى فيها عن طريق تجارته، فقال كلمته المشهورة: «لا يغلبنكم الروم في التجارة فإنها ثلث الإمارة». كما أنَّ عبد الله والد النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- هبطها يوم خرج في تجارة إلى الشام. ويوضح المؤرخ عارف العارف أنَّ غزة كانت على مرّ الدهور (مدينة عربية) لا شك في عروبتها، وأنَّ الفتح الإسلامي لغزة، لم يكن سوى تأييد جديد للفتح العربي الذي سبقه، ولم يكن الجنود المسلمون الذين دخلوا إليها، سوى أولئك العرب الذين كانوا يترددون إليها من جميع أنحاء الجزيرة العربية قبل الفتح. في هذه المدينة حدث اصطدام عنيف بين العرب والبيزنطيين، وكان على رأس الجيش العربي عمرو بن العاص, وأَمَّا جيش الروم، فقد كان يقوده (بطريقيوس) أحد رجال هرقل، وأكبر قائد في جيش الروم. اصطدم الجيشان في منطقة وادي عربة، وولّى الروم منهزمين، فارتدّوا إلى غزة، وكان ذلك في شهر شباط سنة 634م. يشير المؤلف إلى أنه عندما توطدت أقدام الصليبيين في البلاد عام 1100م، تقدموا نحو غزّة، وأعادوا فيها بناء القلعة على التل، تلك القلعة التي وجدوها مهجورة ينعق فوقها بوم الخراب. وذكر الكاتب جاء (بلدوين الثالث) في الحملة الصليبية الثانية 1149م، وأخذ يعيد قسماً من سور غزّة، وأنشأ حصناً فيها. ويضيف: إنَّ السائح الإسلامي والبحاثة المعروف في علم الجغرافيا الإدريسي (1100-1165)، زار غزّة عام 1154م، فقال عنها إنها «مدينة مقدسة، وإنها آهلة بالسكان، وإنها بيد الروم». وذكر المؤلف أنّه في عام 1187م، قهر صلاح الدين الأيوبي الصليبيين في معركة حطين (1187م)، وقد تتبّع انتصاراته حتّى جميع فلسطين بما فيها القدس، ففتحت غزّة له أبوابها، وكان عليها يومئذ ريكاردوس قلب الأسد. وذكر المؤلّف أنَّ السلطان سليم الأول سار عن طريق البر إلى غزّة فعصت عليه، ففتحها حرباً، وكان ذلك عام 1501م. وقام الأتراك في الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، بتحصين غزّة تحصيناً كاملاً من الساحل إلى تل المنطار، تحسباً لأي هجوم بريطاني، وفي 20/3/1917م، اتخذ الجنرال الإنجليزي تشارلز دوبل (رفح) مقراً لقيادته، ثم أصدر أوامره بالزحف على غزّة في شهر مارس سنة 1917، وانسحب الإنجليز تاركين ورائهم 2700 قتيلاً، 2932 جريحاً، وأَمَّا الأتراك فقد خسروا 1500 رجل في هذه المعركة. وفي شهر نوفمبر 1917، أخذ الإنجليز يزحفون نحو غزة، فاضطر ذلك الأتراك إلى إخلاء غزة، وتمكن الإنكليز من احتلالها. وأصبح قطاع غزّة تحت سلطة الانتداب البريطاني على فلسطين حتّى عام 1948 تاريخ إعلان قيام «إسرائيل»، ومنذ ذلك التاريخ لم يهادن الغزيون قوات الاحتلال «الإسرائيلي»، عبر حروب محدودة، ولكن عملية «طوفان الأقصى» التي أدارتها حركة حماس يوم 7 أكتوبر 2023، ضدّ الجيش «الإسرائيلي» والمستمرة حتّى اليوم، أربكت جيش الاحتلال ، وأحدثت خللاً كبيراً في توازن القوى لصالح المقاومة الفلسطينية. يذكر أن مؤلف الكتاب، هو عارف بن شحادة العارف (1892-1973م)، وُلِد في بيت المقدس، يُعدّ رائد المؤرخين الفلسطينيين وعميدهم.