14 سبتمبر 2025

تسجيل

«بعضٌ منّي» كتاب يتتبع الدبلوماسية الثقافية بعد مونديال قطر (3 - 3)

17 فبراير 2024

يدعو المؤلف إلى ترسيخ القول بِأنَّ الثقافة هي جوهر إنسانيتنا، وذلك ما حاول بنفسه تعزيزه منذ عقود، وخاصة أثناء حملة ترشحه لمنصب المدير العام لليونسكو. ويشير د. حمد الكواري إلى أنّ «الدبلوماسية الثقافية» لم تكن حكراً على المؤسسات، حيث ساهمت أعمال أدبية عالمية في تعزيز الدبلوماسية الثقافية، فرواية «مائة عام من العزلة» لغابرييل غارثيا ماركيز (1927-2014م)، نجحت في لفت الأنظار إلى كولومبيا والقارة الأمريكية الجنوبية وآدابها وواقعيتها السحرية، وأذكت روح البحث والدراسة عن هذه القارة ودولها وثقافتها وإنسانها ومعاناتها. وأدت رباعية «مقبرة الكتب المنسية: ظل الريح، لعبة الملاك، سجين السماء، متاهة الأرواح» للإسباني كارلوس زافون، دوراً مماثلاً، بالنسبة لإسبانيا أو لمدينة برشلونة على الأقل. وعلى الصعيد العربي يمكن اعتبار «ثلاثية القاهرة: بين القصرين، قصر الشوق، السكرية» لنجيب محفوظ (1911-2006م)، وسيلة ناجحة في الدبلوماسية الثقافية مثلما شكَّل الثلاثي الفلسطيني ناجي العلي وغسان كنفاني ومحمود درويش، قوة ثقافية ناعمة، نقلت معاناة الفلسطيني تحت الاحتلال بشكل أدبي وثقافي. ويلفت الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري: «كنّا في قطر واعين تمام الوعي بالدبلوماسية الثقافية فمارسناها بتميّز ممّا عزّز من مكانة بلدنا وتفاعله مع العالم». المراكز الثقافية... قوة ناعمة مهملة في النظام الثقافي العربي ينتقل المؤلف للحديث عن المراكز الثقافية العربية في العالم، ويقول: «أدركت الأمم مبكراً أهمية المراكز الثقافية وتبنّتها كمرتكز أساسي لتقديم ثقافتها بجوانبها المختلف. ويتساءل المؤلف عن الوضع الثقافي العربي وغياب مراكز ثقافية مماثلة تعاضد دور «الديوان» (وهو البيت الثقافي الذي أسسته قطر في ألمانيا)، في العالم لتضيء ثقافتنا وسط سماء الثقافات الأخرى؟ ويقول المؤلف: «كسفير عربي لأكثر من عشرين عاماً وفي عواصم مهمة طالما راودني أن يكون هناك مراكز ثقافية عربية مشتركة يشترك فيها كل العرب من أجل أن تمثل الثقافة العربية في كل مكان في العالم». ولكن المؤلف يُعرب عن خيبة أمله، بقوله: «إننا ما زلنا نتعثّر، وهذا توصيف متفائل قياساً بتوصيف آخر قد يكون أقرب إلى الحقيقة، وهو أنّنا دخلنا منطقة التطلّع نحو السراب». وبدوره يعتقد المترجم سامح الخلف في حديثه لـ"الشرق": «باستثناء الدور البارز الذي يلعبه معهد العالم العربي في باريس في إبراز الوجه الحضاري والثقافي للعرب، لم ألحظ مؤخراً أي نشاط بارز قام به مركز ثقافي عربي، في أوروبا خاصة». الأمم تفكر في ذاكّرتها يتحدث الكواري عن أهمية توثيق التاريخ في حياة الأمم، ويُبيّنُ بِأنَّ الحضارات سارعت منذ القدم إلى الاهتمام بتسجيل حياتها ووقائع مسيرتها في السلم والحرب، في البناء والمحن. ويتساءل الكاتب «ماذا لو لم يرسم إنسان الكهوف تلك الرسوم الكهفية البديعة لمظاهر الحياة في مرحلة ما قبل التاريخ؟» وبدوره يرى البروفيسور الهندي كوناتودي، في حديثه لـ الشرق "أنّ توثيق التاريخ «يساعد الأمم والشعوب في الاحتفاظ بذاكرتهم الجماعية وتراثهم الثقافي، ويساهم التاريخ المكتوب في تشكيل الهوية والانتماء الثقافي للأفراد، فتوثيق التاريخ المكتوب هو أداة حيوية للمحافظة على التراث الثقافي والتاريخي ولفهم الماضي وبناء مستقبل أفضل وأكثر استدامة للشعوب». وقد جاء في الكتاب أنَّ العرب غلب على حياتهم فترة طويلة التوثيق الشفهي بفعل التناقل، فعرف العرب القصّاص وهم فئة اضطلعت برواية أخبار القبائل وغزواتها ومآثرها الاجتماعية ومعتقداتها، وإثر ظهور الإسلام ازدادت العناية بالتوثيق، وعن ذلك التوثيق الشفاهي والكتابي للقرآن، فظهر كتّاب الوحي. ويقول المؤلف: «زخر تراثنا العربي بعدد من المؤلفات مثل كتاب «الفهرست» لابن النديم (توفي 384ه/994م)، ومن هنا عَمِل العرب على توثيق نتاج أبحاثهم في شتّى العلوم. والمؤلف، دبلوماسي ورجل دولة ومفكِّر قطري، وُلِدَ عام (1948م)، وهو حالياً وزير دولة برتبة نائب رئيس الوزراء، كما أنه يشغل حالياً منصب رئيس مكتبة قطر الوطنية. ومن مؤلفاته، "جدل المعارك والتسويات" (2001م)، و"المعرفة الناقصة" (2006م)، و"جسور لا أسوار.. مقاربة جديدة لعلاقات الشمال والجنوب"(2022م)، إضافة إلى كتابته مقالات سياسية واجتماعية وثقافية في عدة صحف عربية.