13 سبتمبر 2025
تسجيلتُعد غزة مدينة تاريخية قديمة، إنها ليست بنت قرن من القرون، أو وليدة عصر من العصور، وإنما هي بنت الأجيال المنصرمة كلها ورفيقة العصور الفائتة كلها: من اليوم الذي سطر فيه صحائفه الأولى إلى يومنا هذا. وفي كتابه «تاريخ غزة» الصادر عن (دار العراب ودار نور حوران) يتتبع المؤرخ الفلسطيني عارف العارف تاريخ مدينة غزة عبر التاريخ موثقاً تاريخها بالتسلسل الزماني منذ العهود الأولى حتى بداية الحكم العثماني والانتداب البريطاني، وقد صدر الكتاب بطبعته الأولى عام 1943م، وأهمية هذا الكتاب تبدو في جدية منهجه التي التزمها المؤلف، والتزم الكاتب بالإبحار في الحديث عن تاريخ مدينة غزة في مختلف العهود. يتحدث المؤلف في مستهل كتابه عن اسم غزة وتداوله بين الأمم، ويقول المؤرخ إنه لتاريخ مجيد تاريخ مدينة غزة؛ ذلك لأنها صمدت لنوائب الزمان بجميع أنواعها وطوارئ الحدثان بجميع ألوانها حتى إنه لم يبقَ فاتح من الفاتحين أو غازٍ من الغُزاة المتقدمين والمتأخرين الذين كانت لهم صلة بالشرق إلا ونازلته فإما أن يكون قد صرعها أو تكون هي قد صرعته. ويبين الكاتب أن اسم غزة تبدل بين الأمم التي صارعتها فقد كان العرب ولا يزالون يسمونها (غزة) أو (غزة هاشم) والعبرانيون (عزة) والكنعانيون (هزاتي) (Hazzati والمصريون (غازاتو) (Ghasatu) والآشوريون (عزاتي) Azzati)) واليونانيون (Raza). وقد جاء في المعجم اليوناني أنها أُعطيت في العصور المختلفة عدة أسماء منها أيوني ومينووا وقسطنديا والصليبيون (Gadres) والأتراك (غزة) والإنكليز(غازا) (Gaza). وفي هذا السياق يشير المؤلف إلى أن اسمها مشتق من (العزة) والمنعة والقوة ويُعلل المؤلف قوله بالحروب الكثيرة التي جرت فيها وحولها والتي صمدت لها صمود الجبابرة. ويصف الكاتب أهل غزة بأنهم شجعان وكرماء ويتميزون بالصبر والشجاعة وأنهم يغارون على دينهم وشرفهم، أكثرهم متدينون يدلك على ذلك كثرة الجوامع والمساجد في غزة وعلماء الدين الكثيرون الذين أنجبتهم غزة. يروي الكاتب أن غزة على مر الدهور لم تكن بعيدة عن محيطها العربي فقد كانت ذات صلة وثيقة بالعرب والحياة العربية وإذا لم يكن (المعينيون) هم الذين وضعوا الحجر الأساسي فيها فإنهم أول من ارتادها وغشي أسواقها من العرب الأوائل الذين وصلت إلينا أخبارهم. ويوضح الكاتب أن غزة كانت واقعة على الطريق الصحراوية التي تربط مصر بالهند؛ حيث كانت تجتمع تجارة بلاد الشرق وتجارة الهند ثم تسير شمالاً إلى مكة والمدينة والبتراء ومن هنا تتفرع لتصل إلى غزة على البحر المتوسط وعبر طريق آخر تصل إلى دمشق وتدمر. ويذكر المؤرخ عارف العارف نزح العناقيون عن مساكنهم في الجبال وهبطوا الجبال واستوطنوا غزة وقد اشتهر هؤلاء بطول قاماتهم وبأسهم في الحروب حتى إن بني إسرائيل كانوا يرهبونهم ويخافون شرهم ويُقال: إن الفلسطينيون القدماء الذين جاء ذكرهم في أسفار العهد القديم بأنهم هم أول من استوطن غزة. كما استوطنها أيضاً (المديانيون) أحفاد إبراهيم والآدميون و(العموريون) و(الكنعانيون) وغيرهم. ويشرح المؤلف بأن غزة كانت في عهد الفراعنة ولا تزال حلقة الاتصال بين مصر والشام وإنها ذات قيمة حربية واقتصادية في نظر الجيوش التي تعبر الصحراء ولطالما اعتبرت في التاريخين: القديم والحديث (المخفر الأمامي لمصر وإفريقيا وباب آسيا). ويرصد المؤلف ما فعله الغزاة الذين يأتون من الشمال كالآشوريين والبابليين فإنهم كانوا يهتمون بغزة أولاً فيحتلونها وبعد أن يستكملوا فيها عدتهم ويحشدوا قواهم يبدؤون منها بالزحف على مصر وهذا ما جعلها تقاسي الآلام والأهوال سنين طويلة تحت سنابك خيل الفاتحين سواء أجاء هؤلاء إليها من الشمال أم من الجنوب.