12 سبتمبر 2025

تسجيل

في ملعب الكتابة

27 يناير 2016

أكتبُ أحياناً لأنسى، ولكنّني أكتب لأنّ يداً ما تمسك بيدي، وتخطّ معي الحروف، وغالباً ما أصغي لصوتٍ قادمٍ من بعيد يُملي عليّ، لكنّني أكتب على أيّ حال، ولم يعدّ يهمني أن أجد كلامي منشوراً في صحيفة ذائعة الصيت، تماماً كما كنت ألعب الكرة مع إخوتي في الحوش، هكذا.. لا جمهور ولا مشجعين، نقذف الكرة ونركض في ساحة 6x4م ونسدد على الحيطان ونصرخ هاتفين لهدف، أو محتجيّن على "فاول". الكتابة رياضة جيدة، وأنا لست محترفاً، لم أبع قلمي لنادٍ أو فريق، بقيت هناك على الخطّ، أعود إلى البيت آخر اليوم، منتظراً تأنيب أمّي لأني ألعب الكرة على حساب دروسي، ولكنّ الكرة ظلت تتدحرج في دمي، وكنت أسجل أهدافاً جميلة في الأحلام، تذهب الكرة بهدوء إلى عارضة الخشب، وتصطدم بها ثمّ تلامس الشبكة، فأصحو وقد ركلت اللحاف. ولكنّني لعبت، قلمي ركض كثيراً في براري القصيدة، وعرفت هناك لاعبين جميلين، وتعلّمت شيئاً من المكر كأن أسدد الكرة إلى الجدار بزاوية 45 وأتخطى الخصم الذي هو أخي الصغير منتظراً من الجدار إعادة الكرة بمقدار الزاوية نفسها، وكنت أنجح تقريباً في تمرير فكرة ما حين أكتب عن السماء التي تمطر في الشتاء والربيع، لست ماكراً بالقدر الذي يجعلني عدواً حميماً للشعراء والسيدات وقرّاء الصفحة الأخيرة. كنت ماهراً فقط في إسكات حنيني بوضع الشاي على نار هادئة، وانتظار قلم حبر سائل سيأتيني به أبي إذا تفوّقت في المدرسة. ثمة انتظار يقف في طابور طويل، ويستحيي أن يتقدم، ولهذا ظللت أنتظر ذلك القلم رغم أنّ أبي غادرنا قبل أكثر من ثلاثة عقود، صحيح أنه قد أهداني قلم بيلوت اشتراه من مكتبة الحرية، ولكنّ انتظاري ظلّ يقظاً وطمّاعاً وطويل البال؛ فالقلم الذي كلّفني جرّة حبر صغيرة، لم يكمل مشواره معي.أضع جرّة الحبر يميني، وأفكّ القلم ثم أغمسه في الجرّة وأسحب الذراع الصغيرة بهدوء، ثمّ أدفعه لإفراغ جوف القلم من الهواء. ثمّ تسيل يدي على الدفتر، محتفلاً بأسراب كلمات زرقاء أنفخ عليها بهدوء لتطير خفيفة إلى عينيّ الفرحتين بالحبر الجديد، في ملعب دفتر مدرسي مسطّر. لعبت في الحوش، وكتبت في مساحات خافتة، لم أصرخ أمام جمهور كبير، ولم تنتظرني عقود الصيف والشتاء، ولا دعوات المحرّرين، كنت ألعب وأكتب، لا لشيء، إلاّ لأنّ يداً ما تأخذ بيدي، وتكتب ما يمليه عليّ صوتٌ قادم من الغامض الغريب، وكأنّ بيتنا الذي ظلّ هناك يقول لي إنّ كرة البلاستيك الخضراء بقيت في "دار المونة" ودفتري المدرسي الصغير طار بعيداً تحمله طيور زرقاء.