10 سبتمبر 2025

تسجيل

لستُ آسفة!

26 ديسمبر 2023

في قصيدته الشهيرة، يقول خالد الفيصل: ولاني بندمان على كل ما فات أخذت من حلو الزمان وردّيه هذي حياتي، عشتها كيف ماجات آخذ من أيامي وأرد العطية من أبهى مقامات الإدراك أن يستطيع المرء أن يتخلّى عن شعوره بالندم، وإحساسه الدائم بالذنب، ورغبته المستمرة بتغيير ما فات ! وأن يعي أن رحلة الحياة تتطلب وقوع المرء في الخطأ، وأن العروج في مقاماتها يتطلّب أن يتمرّغ بوحلها، ويرقى جبالها ويهوي إلى سهولها، ويخوض عبابها ويمشي على شواطئها ! وأن الكمال فيها مطلب عزّ الوصول إليه، واستعسر الحصول عليه ليس لصعوبته ولا استحالته فحسب، بل لأنه ليس من طبيعة هذه الحياة ولا من أصل خلقها وتكوينها ! وأننا حين نندم على ما فات فإننا ببساطة ننكر أصلها، ونرفض ما هي عليه، وهذا هو عين الرفض والسخط، والسير عكس تيّار الحياة الذي لا يلبث أن يبلع كل من رفضها.. فهي لا تمنح نفسها إلا لمن استوعب أصلها وقبل بحقيقتها، وعرف جيداً كيف يرضى ويُسلّم ويقنع ويستمتع بها كما هي.. لا كما يتصوّرها كما يجب أن تكون في عقله ! كما أن شعور الندم يُضعف الشكيمة، ويُوهن العزم، ويجعل الإنسان يقلّب كفيه ندمان أسفاً على كل ما يعدّه تفريطا، أو سوء تصرّف بدر منه، في حق نفسه وغيره، يعيش بُكلّيته في ماضٍ انقضى بخيره وشره، فاقداً الأمل في نفسه وما حوله، وقبل كل ذلك في ربه. فليس شعور الندم الشديد والحزن إلا شعور يناقض الإيمان، ويسحب المرء إلى دوائر التهلُكة، التي تستنزف روحه ووجدانه، وهذا مما يستدعي ضعف الإيمان لأن المؤمن الحقّ لا خوف عليه من مستقبل ولا حزن فيه على ماضٍ ولّى وارتحل. لذا، فما أجدر بالإنسان منا أن يعيش حاضره مؤمناً بربه، مجتهداً في سعيه، مُكفرّاً عن ذنبه، مستغفراً لربه عن تقصيره، معترفاً بأخطائه ويسعى للإحسان والإصلاح فيما بقى لديه من الأيام والفرص، ويتخذ ما أخطأ فيه عبرةً ودرساً يتعلّم منه، لا أن يُسرف في قتل روحه مراتٍ عديدة، فلا هو بقادرٍ على العودة لما مضى، ولا هو المستفيد مما أخطأ، ولا هو بالمستمتع بحاضره، فما يجنى من طرقه لباب التبكيت واللوم المستمر لنفسه سوى أسى الوجدان، وغمّ الشعور. •لحظة إدراك: لا شيء أقسى على الإنسان من غصّات تُكدّر صفو حياته، وربما لا يعلم أنه هو من يسمح لها بالبقاء بالتمسّك بها والغرق في دوائر إعادتها مراتٍ مُتتالية، وهو يظن أن هذه القسوة على نفسه سوف تُرجعه لما مضى ليعمل صالحاً، وغفل عن أن باب الإصلاح والاستفادة والنمو والإحسان مفتوح دائماً على مصراعيه، فما عليه سوى أن يُبصر الخطأ، ويعترف به من باب المسؤولية ويطلب الصفح من ربه، ويسعى للتحسين بعدها وتعويض ما فات، فقبل أن نطلب المغفرة من الله مهم أن نستقبلها بالغفران لأنفسنا وسماحها. ‏[email protected] انستغرام: ‏@Khawlalbu3inain