11 سبتمبر 2025
تسجيلالمؤمن مبتلى، والمرء يُبتلى على قدر دينه، وأشدُ الناس بلاءً الأنبياء ثم الذين يلونهم، وبشرى لمن إذا ابتلي صبر وإذا أعطي شكر وإذا أذنب استغفر، وأحسب أن والدنا رحمه الله كان من الصابرين على المرض الشاكرين على النعم، وكان رحمه الله كثير الذكر والاستغفار راضياً بقضاء الواحد القهار، وكل ما يُصيب المسلم من همٍّ أو غمٍّ أو مرضٍ فيه تكفير للسيئات وربما رفعةٌ للدرجات، وأسأل الله يكتب له كل ذلك وأن يتقبله بأحسن القبول. ورغم طول مدة المرض إلا أنه كان حريصاً على صيام الإثنين والخميس محافظاً على الطاعات مسارعاً إلى الصلوات، وكان يأخذ بالعزيمة ويندر أن يعمل بالرُّخص إلا بعد إلحاح من حوله وبعد ظهور آثار التعب والأعياء عليه، ولا شك أن ثبات الإنسان على ما تعود عليه من الطاعات هو محض توفيق من رب الأرض والسموات، ومن يداوم على الطاعات يكتب الله له أجر ما كان يفعل صحيحاً مقيماً. وقد كان حريصاً على الذهاب للحج والعمرة رغم أنه كان يحتاج إلى تبديل الدم، ولم يمنعه من الذهاب إلا القرارات التي اتخذتها المملكة بسبب جائحة كورونا حيث كان الحج مقتصراً على حجاج الداخل وبأعداد محدودة. ومن الأعمال التي كان حرصه عليها شديداً دعوة من حوله من الخدم والعمال إلى الإسلام، وكان يحتفي بإسلامهم ويطلب منا البحث عمن يعلمهم الإسلام بسرعة على شكل دروس خصوصية على نفقته، بالإضافة إلى الاستفادة مما تقوم به الجهات الرسمية في تعليم المسلمين الجدد، وقد كان فرحه كبيراً بإسلام بعض الخادمات في آخر أيام شهر رمضان الماضي. وكان رحمه الله حريصاً على الطاعات محباً لولاة الأمر كثير الدعاء لهم، بل كان يطلب منا الدعاء لهم، والأمر كما قال الفضيل بن عياض: رحمه الله "لو كانت لي دعوة واحدة مستجابة لجعلتها في السلطان" لأن في صلاحه صلاح البلاد والعباد، وقد بادلته القيادة الرشيدة الوفاء بالوفاء وهذا شأن أهل المروءة الكرماء، وكان رحمه الله وفياً لأهله ووطنه مساهماً في البناء، وحاضراً في قضايا أمته، مشاركاً في مدافعة مظاهر الفقر والحاجة، حريصاً على كفالة طلاب العلم والدعاة والأرامل والأيتام. وكان حريصاً على مكافأة كل صاحب معروف، وقد طلب منا ولسنوات عديدة إخراج صدقة في رمضان عن رجلٍ أكرمهم في بعض رحلات البر قبل أكثر من أربعين سنة ثم انقطعت أخبار الرجل، فكان يدعو له ويتصدق، وقد جاء عن رسولنا صلى الله عليه وسلم (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه)، وهذا لون من الوفاء النادر، نسأل الله تعالى أن يكتب له أجر ذلك كله، وأن ينزل عليه شآبيب رحمته، وبشرى لكل من يفعل المعروف ويُكرم الضيوف. وقد ساهم أيضاً في حفر الآبار للسقيا وعمل المخابز الخيرية لإطعام الفقراء، وعاون في تهيئة مساكن للفقراء بالإضافة لاهتمامه ببناء المساجد وصيانتها. هكذا كان الهديفي - رحمه الله - كما عرفته منذ العام 1987م، وقد وفقه الله فظل محافظاً على دينه - نحسبه ولا نزكيه على الله - وقد مضى إلى الرب الرحيم، ونسأل الله لنا وله العفو والمغفرة. ومن الأشياء التي تذكر له فتشكر حرصه على أن يكون له إسهام في شتى ميادين الخير وأبواب الطاعات، وهكذا ينبغي أن يكون الحريص على الخير متأسياً بصديق الأمة الذي يُدعى من أبواب الجنة الثمانية. رحم الله فقيدنا رحمةً واسعة وأسكنه فسيح جناته، لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء بأجل مسمى، فلنصبر ولنحتسب.