11 سبتمبر 2025

تسجيل

الهديفي (رحمه الله) كما عرفته (4 – 5)

24 أكتوبر 2021

المجالس المفتوحة ميزة الكرماء من العرب، والمجالس مدارس كما أنّ حسن مقابلة الناس وقضاء حوائجهم عبادات عظيمة لتعدي النفع من ورائها، وهذا ما دفع ابن عباس رضى الله عنه إلى قطع مشروع الاعتكاف والانطلاق لقضاء حاجة محتاج، لأن ذاك العمل خيرٌ من أن يعتكف الإنسان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم شهراً، وحوائج الناس تقضى بالمساعدات المالية أو بالأشياء المعنوية كاستخدام الجاه والمكانة، بل قد يكون ذلك بمجرد الدعاء وإظهار التعاطف، وكل ذلك كان يقوم به والدنا رحمه الله دون كللٍ أو ملل. ومن المواقف التي نحتاج أن نقف عندها طويلاً ما كان يحصل من مساعدات مالية من حسابه الخاص لمن يأتي طالباً لإزالة المخالفات المترتبة على بعض الأمور المتعلقة بإدارات وزارة الداخلية أو تخفيضها، فقد كان يقول لطالب المساعدة في لطفٍ أنا لا استطيع مخالفة القانون، ثم يطلب منا كتابة شيك من حسابه باسم من عليه الغرامة فيخرج طالب المساعدة وقد امتلأ دهشة وسروراً. واستمر المجلس مفتوحاً حتى بعد تركه للوظيفة العامة، واستمرت المساعدات بأنواعها، وكان إذا جاء طالب حاجة يعطيه، فإذا التبس عليه أمر المحتاج طلب منا دراسة حالته والإفادة، والهدف من ذلك أن نعرف هل هو من أهل الزكاة أم لا؟. وكثيرا ما كنا نقول يمكنك أن تساعده من مالك الخاص، ونشهد الله أنه لم يكن يتأخر حتى في الأوقات التي فيها ضيق مالي لأنه كان يعرف أن أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى. ومن صور الوفاء الرائعة تلك المساعدات التي خص بها أسر بعض من كان معه أو حوله من الناس بعد موتهم، وكان يبادر إلى سداد ما عليه من ديون حتى تمنى بعضهم أن يموت قبله ليضمن سداد ما عليه من الديون، وتوفير الرعاية الكاملة لأسرته بعد موته، وهذا كان ديدنه رحمه الله. وكان رحمه الله يضع أموالاً في جيبه ليقدمها كصدقات خفية نعرف بعضها ويخفي أكثرها، وقد تعود في كثير من المرات بذل أموال لعمال البلدية عند مرورهم أمام المسجد أو البيت قبيل صلاة الفجر أو بعدها. وقد يضع بعض الأموال في أيدى أطفال صغار حضروا في صحبة والدهم، وكثيراً ما تكفل بعلاج وتذاكر المرضى، وكان يفعل كل ذلك عن فقه ورغبة في تنويع أعمال البر، كل ذلك بالإضافة لكفالته للأيتام والدعاة، بل كان يزيد قيمة الكفالات إذا تدهورت العملة في البلاد التي فيها الدعاة، وكان حريصاً على بناء المساجد ويتخذها وسيلة للبر بالأم والإخوان والخالات، فهو يبنى المساجد لهم وبأسمائهم بعد موتهم، وتلك صدقات وبر وصلات والأجر فيها مضاعف. أما تكفله بطلاب العلم فقد ضرب فيه أروع الأمثلة، ونسأل الله أن يتقبل منه، وكان دائماً يقول: "اللهم اجعلها خالصة لوجهك"، وكثيراً ما كان يطالبنا بكتمان أمر تلك الصدقات. وكان رحمه الله يضاعف الصدقات في رمضان وفي مكة اغتناماً لفضل الزمان أو المكان، بالإضافة إلى رعايته واهتمامه بإفطار العمال والمحتاجين في رمضان، أما أهل الاعتكاف فكان يحتفي ويتفقد طعامهم، ويلبي رغباتهم، وربما اخترق الصفوف ليقدم القهوة بنفسه لكبير في السن في العشر الأواخر. اللهم اغسل فقيدنا بالثلج والماء والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا يا رب وللهديفى رحمه الله.