14 سبتمبر 2025
تسجيللاحظت من تعليقات عدد من القراء، في مواقع القراءة المنتشرة على الإنترنت، أن البعض منهم تعاطفوا مع شخصيات معينة، في الأعمال الروائية، وأرادوا استمرار وجود تلك الشخصيات، بنفس تفاصيلها، في حياتهم، وبالتالي لم يكملوا قراءة أعمال بعينها، خوفا من النهاية المحتملة، أو مصير الشخصيات التي أحبوها، وبعضهم وضع نهاية خاصة به، أي نهاية تروقه، بعيدا عن الكاتب.هذا ما سميته الاندماج الكبير مع الأعمال الروائية، بمعنى أن القارئ هنا ليس قارئا فقط، ولكنه موجود داخل النص بطريقة أو بأخرى، وقد جند عواطفه ليكون كذلك. ولن تهمه النهاية الحقيقية للنص الروائي، بقدر نهاية معقولة لوجوده ووجود الشخصيات الأخرى.شخصيا أعتبر مثل هذا القارئ، نقيا إلى أبعد حد، وقد قرأ بكيانه لا بعينيه فقط، ويمكن لو التقى بالكاتب أن يحاوره عن وعي، وربما يضع له مقترحات، يستفيد منها في نصوص قادمة، بعكس القارئ الذي يكمل الكتاب حتى النهاية، ويخرج بانطباعات عادية، ثم ينسى كل شيء بعد ذلك.هذا أيضا ذكرني ببداياتي في القراءة، حين كنت أفعل ذلك مع نصوص بعينها، خاصة تلك التي تبشر بنهايات حزينة لشخوص أحببتها، كنت أقرأ حتى أقترب من النهاية، ثم أترك العمل وأضع نهاية له وحدي، وبذلك بقيت كثير من القصص والروايات بلا نهايات حقيقية عندي، وتقيم في وعيي بالنهيات التي وضعتها.على عكس رأيي، يرى كثيرون أن مثل هذا القارئ، غير ناضج كفاية للتعامل مع الخيال الكتابي، حين يحيله إلى واقع، وبالتالي، يلغي فائدة القراءة المرجوة، ويقول صديقنا الدكتور أحمد خميس، أستاذ المسرح، إن مثل هذا القارئ يحتاج إلى دروس في علم الجمال، حتى يتذوق الأعمال الروائية، بعيدا عن العاطفة.ربما يكون أحمد خميس على حق، لكن في النهاية، يظل مثل هذا القارئ المتفاعل، أفضل كثيرا من القارئ الذي يهمل النص تماما، بعد فراغه من القراءة، أو ذلك الذي ينبش النص، بنية البحث عن عيوب، ربما تكون موجودة، وربما لا تكون، ولأن القراءة هي أذواق وآراء مختلفة، نص يعجب البعض ولا يعجب البعض الآخر، يكون الكاتب في هذه الحالة، عرضة لكل شيء.أخيرا، أعتقد أن وسائل الاتصال الحديثة، بقدر ما سهلت التواصل بين الناس، وإمكانية أن يلتقي الكاتب بقرائه مباشرة من دون وسيط، ومن دون عوائق، قللت أيضا من احترام البعض للكاتب. في الماضي لم يكن يعرف أحد أصلا من قرأه ومن اندمج مع نصه، ومن انتقده، إلا مصادفة حين يعثر على صحيفة فيها رأي، أو يلتقي في ندوة ما بقراء متحمسين لتجربته، أو مناوئين لها، لذلك يظل في معظم الأوقات نظيفا من الصداع والانشغال بالركض خلف مؤلفاته، والتواصل مع الذين يتواصلون معه.