10 سبتمبر 2025
تسجيلمن أجل الآثار التي يتركها الإنسان في حياته وبعد مماته، له ولذريته من بعده السمعة الحسنة وطيب الذكر ورُقيّ الأثر. ولو تفكرّنا قليلاً فإننا يمكن أن نستنتج أن سمعة المرء الحقيقية لا تتأتى فحسب من تألق إنجازاته، ولا رُقيّ سلالته وعظم أمجاده، فالأصل أن سمعة الإنسان الحقيقية تبدأ بذرتها من الداخل، تتكوّن من صدقه، ونزاهته وسمّو خلقه، وتعاطفه الحقيقي مع الآخرين، وتواضعه مع الغير ومعرفة مقام نفسه جيداً وقدرها، فلا يهوي بها إلى مساقط الرذيلة، وترهات الفساد، ودركات الردى. وتتشكّل من تحمّله لمسؤولية نفسه، ومعرفته لحدوده جيّداً، ومن إسهاماته الصادقة للغير من رغبةٍ مملوءة بحب الخير، ومن عطاءاته السامية من نوايا الطيب والنفع، ومن فضائله الكريمة لمن يعرف ومن لا يعرف. هذا هو رأس المال الذي لا يفنى وإن فنى صاحبه.. وهذا هو الاستثمار الذي لا يخسر مهما خسرت ظواهر عوائده. وهذا هو البر الذي لا يبلى وإن بليت الأجساد.. وهذا هو الخير الذي لا تُعدم جوازيه.. وهذا هو المعروف الذي يبقى ريعه معيناً صافياً يعب منه من أتوا وهم يقولون.. مر، وهذا الأثر. وهذا هو الذكر الطيّب الذي يضوع عطره أينما حلّ، ويبقى شذاه في حياته وبعد مماته. السمعة الطيبة الحقّة هي شجرة تُزرع، وسنابل تطرح، وبركات تُنشر، فلا سمعة للمرء ما دام فاقداً بركات روحه، وطيب خلقه، وكرامة نفسه، وإن كان مدججاً بالنجاحات اللامعة، والإنجازات الخارقة. فما الأجدر بالمرء منا أن يتعهّد نفسه بالتسامي والارتقاء، والتهذيب والسمو، والإحسان لنفسه قبل الإحسان لأي أحد، والاعتناء بصدق البذل، ونقاء النوايا، وطيب المسلك والمقصد. لحظة إدراك: سمعة المرء الحقّة هي انعكاس بواطنه، ومرايا تعكس داخله، هي انتقاء واجتباء، وإحسان وتفضيل، وسمو وارتقاء، وعمل مستمر لا ينضب ولا يتوقف، وأنوار تُشرق من الداخل للخارج، ومنارات لا يُخطئها من قدّر للأمر قدره وعلم أن المرء بمعدنه وأصله، ونقاء قلبه وصفاء سريرته، يُدركها من بعيد كأمارات للهداية والإرشاد للخير والمعروف.