29 أكتوبر 2025

تسجيل

كيف تحول الحال إلى هذه البشاعة؟

26 أغسطس 2015

بعد أن استبشرنا خيراً "بالربيع" وتداعياته الأولى، انتقلنا من زمن الاستبداد والفساد والديكتاتورية إلى زمن الفتن والحروب الطائفية والمذهبية والقتل على الهوية والإرهاب والتفجير العابر للقارات. وضع العالم العربي اليوم لا يحسده عليه احد، والصراعات تتولد من رحم الأزمات، والفوضى والتراجع والانحدار الخطير اهم ما يميز الوضع السياسي والاقتصادي والديني والاجتماعي والأخلاقي، وفي مواجهتها لا يملك المرء لا الحول ولا القوة؟! المشهد حزين ومخيب، فكيف تستطيع امة من الأمم أن تنهض من كبوتها إذا كانت قياداتها ومفكريها ونخبتها يتنافسون فيما يوجج الخلافات ويساهم في زيادة عوامل الانقسام والتفرقة وباسهم بينهم شديد في التصريحات السياسية والمنابر الرسمية والمحطات الفضائية والخطب الدينية؟!.. هذه التحولات الفاجعة دفعت العديد من الناس إلى اليأس والإحباط واللا مبالاة ولعن الظلام بدل من إيقاد الشموع، وجعلت البعض الآخر يبرر العنف والإرهاب وحتى غض الطرف عن العمليات الانتحارية ما دامت تستهدف الآخر المختلف معه في الفكر والمنهج. الأحلام الكبيرة التي حملت التغير والحرية تحولت إلى قيود وعبودية وأيدولوجيا قاتلة وغياب للدولة ومؤسساتها ووحدتها الوطنية والبناء القانوني والدستوري ومفهوم المواطنة والحريات وحقوق الإنسان والحوار والتفاهم بين الحكم والمعارضة. لكن رغم كل ذلك، أن الدرس المهم الذي يجب أن نتعلمه اليوم يكمن في مواجهة الفتنة والانقسام بين أبناء الوطن الواحد، وبين الطوائف والمذاهب والأديان والاثنيات المتعددة، والتوقف عن لوم وتحميل الأطراف الأخرى المسئولية، فالكل يتحملها بشكل أو بآخر. إن تجربة أوروبا القديمة تعلمنا أهمية التعايش والتوافق والتصالح مع النفس والآخر، فالحروب كانت مشتعلة والقتال والصراعات لا تكاد تتوقف قبل أن تبدأ من جديد بين الطوائف والمذاهب والتيارات السياسية والدينية توجت بحربين عالميتين كان الضحايا فيهما بالملايين، ولكن من رحم الهزائم تولد الآمال حين تعلمت أوروبا الدرس من حروبها وصراعاتها وتسامت على آلامها وتجاوزت مرارة ماضيها وصاغت حاضرها وعملت من أجل شعوبها وتطلعاتها المستقبلية رغم اختلاف ثقافاتها ولسانها ولونها. وإذا كان في مقدور أوروبا أن تنهض من كبوتها رغم كل عثراتها ومصابها وجراحها فنحن نستطيع ذلك أيضاً.