13 سبتمبر 2025

تسجيل

كتابة بلا توقف

26 أغسطس 2015

انتشرت في الآونة الأخيرة مقولة عن الكاتب الإيطالي إمبرتو إيكو: "إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء". الخبر جاء في منشور على صفحة الكاتب الفلسطيني زكريا محمد، نقلاً عن المترجم المعروف صالح علماني، وفيه موقف حادّ ممّا يكتب في هذه المواقع، وهل هو يلامس الأدبي، أم هو مجرد فضفضة تتيحها هذه المواقع في أكبر سردية عرفها العالم بفضل اختراع صغير، أتاح لهذه المائدة أن تتسع لتشمل قارات العالم، وأتاح للكتاب أن يسألوا بعد أعوام من النشر: "ما الذي فعله بنا الفيس". الكاتب زكريا محمد يرى أنّ صفحات التواصل أتاحت للجميع أن يكتب ولو كلمة واحدة مثلما نقرأ على صفحات بعضهم: " تعبان- صداع" ويرى أن الأخرس نطق أخيراً، فقد كانت مواعين النشر السابقة لاتتيح الكلام إلا لقلة قليلة، و "ما فعله الفيسبوك باللغة فهو أشد غموضاً وسرية. ونحتاج إلى سنوات لفهمه. كيف أثر على تركيب الجملة؟ كيف أثر على الأشكال الأدبية؟ هل ساند بعضها؟ هل حطم بعضها الآخر؟ وماذا فعل بالكاتب نفسه، الكاتب المحترف؟ هل حطمه أم فتح له باباً؟" ويخلص إلى القول: "الفيسبوك يدفع إلى الكتابة بلا توقف". وما بين تعالي إمبرتو إيكو وموضوعية زكريا محمد، يبدو الحديث عن أثر الفيسبوك في الأدب مبكّراً، وإن بدت ملامحه الأولى في إتاحة الفرصة لسرديات وقفت على عتبة النشر الورقي، إنها عوالم ألف ليلة وليلة، الجنس الأدبي الغريب الهجين الذي ظلّ السفر النفيس للعامّة، بعيداً عن أدب البلاط والنخبة. وإن تأخر الاعتراف بألف ليلة وليلة كجنس أدبي عابر للثقافات فإنّ عالم الفيس جذب إليه كبار الكتاب والناشرين، الذين هبطوا درجات بحثاً عن الغاوين المشتغرقين في الفضاء الأزرق، نهر الكتابة الجاري بلا توقف.