13 سبتمبر 2025
تسجيلبرحيل الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، يكون ثلاثي شعر المقاومة قد سلّم التجربة للتاريخ، وصار في ذمّة التيارات النقدية، التجربة التي قامت مع ولادة النظام العربي الجديد، وماتت على إيقاع طبول الربيع العربي، رغم أن التجربة ذاتها ذبلت مع نهاية الحرب الباردة، وأنقذتها انتفاضتا فلسطين الأولى والثانية. وشكّلت المرحلة هروباً جماعياً إلى قصيدة النثر والفنون الأخرى، بعد جرح بيروت التراجيدي.في تجربة الشاعر الفلسطيني سميح القاسم ثمّة ملمحان واضحان؛ أنه أسهم في تشكيل كتيبة التفاؤل الثوري بعدما فاجأنا جنرالات روّاد الحديثة مثل نزار قباني والبيّاتي ومظفّر النواب الذين أعلنوا استسلامهم وشنّوا حرباً على الواقع العربي الذي كان سبب هذه الهزيمة، بسياسييه ونخبه وثقافاته.كان أولاد القصيدة الجدد النابتون من الأرض العابقة "بصهيل الزيتون" والتعبير لغسان كنفاني، فشكّل مع محمود درويش وتوفيق زيّاد وفدوى طوقان ومعين بسيسو عصابة جديدة شحنوا القصيدة الجديدة بمعاني الأمل والتفاؤل، وهرّبوا إليها الرصاص والقنابل والعواصف والعنفوان ومدوّنة الأمل مادامت الشمس تشرق كلّ يوم، تخلت القصيدة عن نخبويتها وحزنها الشرقيّ، ولبست ثياب الخاكي والشال الفلسطيني. كانت مرحلة استغرقت مرحلة من الشعر تخطّاها الدرويش منذ سرحان يشرب القهوة في الكافيتريا، لكنّ القاسم وقف عندها طويلاً، وتميّز في ذلك، واشتهرت له قصائد كثيرة في هذا المقام مثل:" منتصب القامة أمشي- ساقاوم - تقدّموا."..أما الملمح الثاني؛ فإن القاسم ظلّ في بلاده ولم يتركها كما فعل محمود درويش مثلاً، وظلّ يقاوم الاحتلال على أرض الواقع، الميزة التي يراها كثير من المهتمين أنها ميزة للقاسم وليست لغيره، ولحق به فيما بعد جيل من الأدباء من داخل منطقة الـ48 مثل سليمان دغش ومعين شلبية، وأسهم في الوقوف ضدّ تهويد المنطقة، ونزع هويتها العربية من خلال نشاطه الأدبي في أكثر من دوريّة ثقافية نشرت في حيفا، بقي القاسم في بلاده تحت شرط الاحتلال فتزوّج وأنجب وكتب، وعاش حياته وظلّت قصيدته تحمل البارودة والفكرة المقاومة، بهويتها العربية التي شهد له فيها كثير من النقاد.برحيل سميح القاسم ترحل مرحلة من مراحل الشعر العربي المشدود إلى نبض الشارع وهتافاته وشعاراته وشعائره، كآخر الرافعين قبضاتهم فوق المنابر، التي تركها الشعراء إلى الصفحات الافتراضية في عالم الشبكة العنكبوتية. ولكن القاسم سيظل حاضراً في وجدان الشارع والشعر الملتزم الذي أنقذ قصيدة التفعيلة بعد النكسة، ورغم محاولاته في التجديد الشعري وحتى في كتابة الرواية "الصورة الأخيرة في الألبوم" إلا أن سميح القاسم ظلّ نقطة علاّم شعرية في جغرافيا القصيدة الحديثة.