18 سبتمبر 2025

تسجيل

الصناديق السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي

26 أغسطس 2012

تسيطر دول مجلس التعاون الخليجي بصورة مجتمعة على قيم مالية ضخمة في إطار ما يعرف بصناديق الثروة السيادية الأمر الذي ينعكس بشكل إيجابي على الهدف الاستراتيجي المتمثل بتنويع مصادر الدخل. بل تتعدى الفائدة لتصل للعديد من الاقتصادات العالمية عبر توظيف الأموال في مختلف أنواع الاستثمارات بما في ذلك شراء الأسهم الحكومية. وحسب أحدث إحصاءات معهد صناديق الثروة السيادية وهي جهة تتمتع بمصداقية تبلغ القيمة الكلية للصناديق السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي قرابة 1.7 تريليون دولار. مؤكداً: يعد هذا الرقم ضخما كونه يزيد قرابة 600 مليار دولار عن حجم الناتج المحلي الإجمالي للدول الست. وعلينا الوقوف على حقيقة الأهمية النسبية لهذه الإحصاءات مع الأخذ بعين الاعتبار تمثيل اقتصادات المنظومة الخليجية لنحو 45 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية. استنادا لتقرير أصدره المعهد يتربع الصندوق السيادي لإمارة أبو ظبي الأغنى من نوعه على مستوى العالم بموجودات قدرها 627 مليار دولار. يشكل الرقم قرابة ضعف حجم الناتج المحلي الإجمالي للإمارات العربية المتحدة الأمر الذي يوفر نوعا من الطمأنينة للمتعاملين مع الإمارات السبع وليس فقط العاصمة الاتحادية. وقد أظهرت إمارة أبو ظبي مدى استعدادها لتوظيف جانب من قدراتها المالية لتقديم يد العون لإمارة دبي على خلفية أزمة المديونية التي جربتها في السنوات القليلة الماضية. وقد عززت هذه الخطوة من المكانة الاستثمارية بل الدرجة الائتمانية لإمارة أبو ظبي على وجه التحديد. تتمتع إمارة أبو ظبي بملاءة مالية من نوع (أي أي) بالنسبة لكل من مؤسستي (ستداندر أند بور) و(فيتش) على حد سواء. كما تقدم المؤسستان نظرة مستقبلية مستقرة لأبو ظبي وبالتالي لدولة الإمارات العربية المتحدة. من جهة أخرى حلت السعودية المركز الرابع عالميا بعد صناديق تابعة لكل من أبو ظبي والنرويج والصين. تبلغ القيمة المالية للصندوق السيادي السعودي نحو 533 مليار دولار حسب تقرير المعهد المشار إليه سلفا. ادخل تجربة الكويت فيما يخص الاستفادة من الصناديق الاستثمارية. فقد تبين بالدليل الدامغ نجاح الكويت في توظيف جانب من إمكاناتها المالية لتمويل حرب التحرير من جهة وتقديم العون المادي للمواطنين خلال فترة الغزو والاحتلال. تبلغ القيمة المالية للصندوق السيادي للكويت قرابة 300 مليار دولار حسب آخر الأرقام المتوفرة ما يعني الحلول في المرتبة السادسة على مستوى العالم. يشار إلى أن الكويت سبقت شقيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي بتدشينها صندوق للثروة السيادية في العام 1953. وفي كل الأحوال لا يمكن إغفال التجربة المتنامية للصندوق الاستثماري لدولة قطر. من جملة الأمور تتميز قطر بممارسة الشفافية بالنسبة لاستثماراتها السيادية فيما يخص شراء الفنادق والعقارات وجزء من أسهم الشركات العاملة في مجال السلع الثمينة. وحديثا فقط تناقلت وسائل الإعلام الدولية أخبار إيداع دولة قطر مبلغا قدره ملياري دولار في البنوك المصرية في خطوة تهدف لتعزيز الوضع الائتماني لمصر بعد زوال عصر حسني مبارك وبالتالي مساعدة إدارة محمد مرسي في مواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجها والتي ورثتها من النظام السابق. كما كشفت دول مجلس الخليجي عن مدى تحملها لمسؤولياتها الدولية عبر توظيف جانب من قيم الصناديق السيادية التابعة لها لتمويل خطة صندوق النقد الدولي لتقديم العون لبعض الاقتصادات في إطار التكيف مع الأزمة المالية العالمية في العام 2008. المشهور مساهمة المنظومة الخليجية في الصندوق الخاص وقدره 250 مليار دولار لتقديم الائتمان للاقتصادات الأكثر عرضة لتداعيات الأزمة المالية. وتعد هذه الحقيقة مثالا على تطبيق مبدأ إعادة توزيع الثروات النفطية والتي تتشكل منها مصادر الصناديق الاستثمارية الخليجية. عودة لما أشرنا إليه في مستهل المقال وهو مساهمة الصناديق بتقليص الاعتماد على القطاع النفطي عبر تنويع مصادر الدخل بواسطة عوائد الاستثمارات. في المتوسط يساهم القطاع النفطي بنحو ثلاثة أرباع الصادرات وثلثي دخل الخزانة العامة وثلث الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي. بل ربما كانت دول الخليج أكثر اعتمادا على القطاع النفط بالنسبة لدخل الخزانة لولا العوائد المتعلقة باستثمارات الصناديق السيادية. فضلا عن الحقائق المتعلقة بصناديق الثروة السيادية لا مناص من إضافة أمور وإيجابيات أخرى فيما يخص الاقتصادات الخليجية من قبيل تقديم مساهمة حيوية بالنسبة للقطاع النفطي. فاستنادا لأحدث تقرير لإحصاءات الطاقة ومصدره شركة (بريتيش بتروليوم) البريطانية فقد حلت السعودية محل روسيا كأكبر منتج للنفط الخام في العالم. فقد أسهمت السعودية بنحو 13.2 في المائة وتلتها روسيا بإنتاج 12.8 في المائة من الإنتاج النفطي العالمي في 2011. كما أسهمت كل من الولايات المتحدة وإيران والصين قرابة 8.8 في المائة و5.2 في المائة و5.1 في المائة من الإنتاج العالمي على التوالي وبالتالي نسب مؤثرة. طبعا يضاف لذلك الدور التقليدي للسعودية عبر اعتلاء عرش أكبر مصدر للنفط الخام في العالم بلا منازع. بل نجحت السعودية ومنذ انطلاق أحداث الربيع العربي وما تلا ذلك من تدهور في إنتاج النفط في ليبيا واليمن وسورية بتعزيز أهميتها فيما يخص تصدير النفط. أيضا لا يمكن استعداد السعودية لتعويض الأسواق العالمية في حال حدوث نقص مفترض لإنتاج النفط الإيراني بسبب العقوبات الغربية المفروضة على توريد نفطها وكل ما يتعلق بصناعتها النفطية. أخيرا وليس آخر جاء في تقرير حديث للمعهد الدولي للتمويل فرضية ارتفاع قيمة صافي الموجودات بعد طرح الالتزامات التابعة للدول الست الأعضاء في مجلس الخليجي إلى 1.9 مليار دولار مع نهاية 2012 ومن ثم القفز فوق حاجز 2 تريليون دولار لأول مرة في 2013. باختصار تحافظ المنظومة الخليجية على مكانتها في التاريخ عبر سياستها الاقتصادية النوعية.