14 سبتمبر 2025

تسجيل

(سارة الكعبي)

26 يوليو 2021

اليوم: الإثنين. التاريخ: 23/06/2014 الساعة: 9 الوقت: صباحاً. منذ 7 سنوات تبدو طويلة جداً كان ذلك الاتصال البشع: "سارة تعرضت لحادث سيارة" الهواتف ترن متتابعة كصباح كل يوم عمل، لكن هاتف صديقتي امتلك رنته الخاصة لتقول باستغراب: - إيمان أخت سارة، غريبة لماذا تتصل علي!!! كم كانت مكالمة غريبة، كم كانت مكالمة بشعة ومريرة! كان شحوب وجه صديقتي عن ألف كلمة "سارة الكعبي سوت حادث". - حادث بسيط يارب. وتتكرر هذه الجملة في رأسي طوال الطريق، فـ " سارة " تلك ليست أي إنسانة، بل هي مخلوق جميل ذكي، قادر على تحمل المسؤولية ويستحيل أن تتسبب بأي حادث.. يا الله!! كيف تصبح الدقائق طويلة، والطريق لا ينتهي عندما تريد اللحاق بشخص يقبع بين جدران المستشفى، وكأنما لحظات الوقت قد اتحدت لتقف ضدك فيصبح الوقت فجأة... بلا نهاية! قبل الحادث بسويعات كنا على الهاتف الذي أشعلته "سارتنا" بالضحك.. بالحيوية.. بالنشاط نتشاجر، نضحك، نتحدث ونعود لنتشاجر، كانت ليلة حافلة امتدت بنا إلى ما بعد منتصف الليل حتى وصل بها الأمر إلى أن تهددنا: - أقسم أن أريكن غداً صباحاً ومن ثم سأذهب، لأنني إجازة وسأغادركن وأختفي لمدة طويييييلة جداً وستفتقدونني.. سترون!! وكأن ملَكاً مر حينها ليقول "اللهم آمين يا رب". كيف أننا ما زلنا في الطريق، الثواني تجري والطريق لا يمضي، كيف أنه بهذا الطول؟!!.. غريبة كيف تتوقف عقارب الساعة عن الحركة عندما تريدها أن تمضي!! وكأن يد الزمن أحكمت بقبضتها على تلك الدقائق لتحتضر وهي تتنقل بين الثانية والأخرى بزحف مميت.. وجدنا شقيقتها تبكي بحرقة في الطوارئ، شعرت بتلك الغمة التي تقتل القلب ببطء، لكنني ما زلت أعلق ذلك الأمل "مؤكد تخضع لبعض الفحوصات وستكون بخير". عندما يكون الحادث لشخص لا نعرفه ينكسر قلبنا حزناً ونردد "يا حرام مسكين استودعناه الله وليطل الله بعمره لذويه ومن يحبه". لكن عندما يكون الشخص قريباً لنا فكم هي موجعة تلك الكلمات ولا نستطيع حتى أن نتخيلها. طال الانتظار، وفُتح الباب أخيراً ليخرج منه سرير المستشفى الذي أصبح فجأة مرعباً وهو يمر من خلالنا، وجسدها هناك مسجى لا حول لها ولا قوة.. فعلاً إنها (سارة الكعبي) !! ولكنها.. ليست "سارتنا".. ذلك الجسد ينقصه شيء.. ينقصه المرح.. الحياة.. الضحكة الجميلة.. ذلك جسد بلا (سارة) !! كانت كراسي الانتظار هي ملاذ من وقع فينا، كانت حوائط المستشفى هي سند من ألقى بنفسه عليها.. أين.. أين سارة؟!! لا أعرف كيف للمرء أن يفقد السيطرة على دمعه، لينسكب في خيوط متتالية بلا حول منا ولا قوة.. ذهول.. دهشة.. فاجعة.. صمت.. العديد من المشاعر المختلطة التي ألجمت اللسان.. لسان جميع من وقف وشهد ذلك السرير يتحرك مبتعداً بين حشود الناس المرتدية للون الأبيض، ما بين أطباء وممرضات.. ونقف نحن على جانبي الممر يكتسحنا السواد.. سواد عباءتنا التي نرتديها، وسواد الفاجعة التي اكتسحت قلوبنا.. وكان ذلك اليوم هو آخر عهدنا بتلك الشعلة النابضة، والتي انطفأت بسبب حادث سيارة.. تركتنا سارة إلى عالمها الآخر، مخلفة وراءها فيضاً من الذكريات الجميلة الرقيقة.. مخلفة وراءها طفلة بريئة، وعائلة تستجدي رحمة الخالق ليعيدها إليهم.. فاللهم اشفها شفاءً لا يغادر سقماً.