15 سبتمبر 2025

تسجيل

( ... مطبخ أم زوجي ... )

12 أغسطس 2023

لم نطل في شهر العسل، لأن زوجي يشمئز من طهو الخدم والعاملين، وما إن عدنا حتى بدأت رحلتنا معاً في منزل عائلته، كانت والدته تُعد لنا الإفطار بنفسها صباح كل يوم قبل ذهابه لعمله، وبعدها يأتي دوري في إعداد وجبتي الغداء والعشاء. لكن ما إن أضع القِدر على النار وأستدير لعمل أي شيء آخر حتى تنطفئ النار فجأة، فأعود لأحاول معها، لكن النار مصرة على ألا تشتعل تحت قدري، فأضطر للتوجه إلى أسطوانة الغاز المتواجدة خلف المطبخ في هذا الحر الخانق، لأحركها فأجدها ما زالت ممتلئة، لكنها بشكل ما «مغلقة»!! فأقوم بفتحها وأعود إلى المطبخ لأتمكن من الطهو قبل عودة زوجي، ومجدداً تختفي النار أسفل القدر لتُعطلني، وأخرج للأسطوانة فأجدها مغلقة، ويستمر الوضع يتكرر هكذا حتى انتهاء اليوم وعودة زوجي من عمله بدون طعام. في البداية كان «متصابراً» ثم بدأ صبره ينفد وأخيراً أصبحنا نتشاجر كلما عاد ولم يجد طعامه جاهزاً، فيضطر لأكل الجبنة أو اللبنة، لأنني لم أتمكن حتى من سلق البيض. مضى شهران تصاعدت فيها خلافاتنا، التي أخذت تكبر وتستمر فيما بيننا بسبب طعامه، ولولا وجود والدته الطيبة والتي كانت دائماً ما تقف في صفي، لتدافع عني وتهدئ من روعه لما استمرت حياتي معه، فتنتهي المشكلة بقيام والدته بإعداد الطعام لنا في النهاية. بعد كل شجار بيننا كنت أحمد الله الذي رزقني بأم مثل أم زوجي، حنونة وطيبة تدافع عني دائماً بإصرار مميت أمام زوجي، وكأنها تدافع عن ابنتها ضد زوجها، وهذا ما كان يحسدني الجميع عليه. بدأت أعتقد أن مطبخ أم زوجي مسكون بشيء لا أعرفه، شيء يتربص بي فقط، فعندما تستعمله والدة زوجي يعمل جيداً، وما إن تلمسه يداي حتى تنطفئ ناره فجأة، وتُغلق الأسطوانة، حتى قررت يوماً أن أقوم بتجربة، فأخرجت القدر ووضعته مباشرة على النار، وقبل أن أتحرك طلبت من الخادمة أن تقف مكاني لتراقب النار وتنادي عند إنطفائها، بينما أسرعت بالجري إلى جوار النافذة التي تُطل على أسطوانة الغاز، ووقفت أنتظر هناك. فجأة لمحت طيف يهرول بسرعة وخفة لا أقوى عليهما، لأرى أصابع ذلك الطيف تعبث بإسطوانة الغاز فتغلقها في نفس اللحظة التي علا فيها صوت الخادمة تناديني: - مامااااا جاز مافي! لم أرد..فلقد تخدرت قدماي وجف حلقي، وبالكاد استطعت البقاء واقفة على الرغم من ارتعاشة جسدي، أريد أن أتحرك..أخرج..أمسك بهذا الشبح متلبساً وأواجهه، بل أسأله عن سر هذا التصرف الشاذ. وفي لمح البصر اختفى الشبح من حيث أتى.. لكن فاجعتي قيدتني فلم اتصرف، بل شُل لساني كما هي حركتي، وبقيت أحدق في الفراغ القاتل عبر تلك النافذة ببلاهة، إلى هذه الإسطوانة التي دمرت حياتي وأنا عروس، وأخيراً وبمنتهى الصعوبة تحركت، أسحب قدماي المتثاقلتين سحباً نحو المنزل كمن يُجر إلى موته. ما إن رأتني أم زوجي حتى استعاذت من «إبليس» وهي تقفز أمامي بسرعة متسائلة بقلق شديد عن سر شحوبي، حدقت بها بذهول، ولم أشعر بلساني الذي تحرك في مكانه أخيراً ليسأل: - اذا ما تبين تزوجين ولدج كان خليتيه جنبج ولا تبهدلين بنات الناس معاكم. شهقت أم زوجي وهي ترتد للخلف.. حتى قلقها أتقنت تمثيله.. فلقد كانت هي من يغلق تلك الإسطوانة.