15 سبتمبر 2025

تسجيل

مجرد مرض..

07 يونيو 2024

أتيت قبل موظفي المستشفى، تملكني الرعب وأنا أتحرى النتيجة، 11 يوماً وأنا أنتظر، استعدت اللحظات التي مرت بي هنا سريعاً.. قال بالإنجليزية: لابد من عمل الخزعة. أحاطني الصمت فشك الطبيب وسأل: هل أنتِ بخير؟! هززت رأسي بنعم، لم يصدقني وسارع بطلب ممرضة تتحدث العربية، لتشرح ما قاله مبررة: لا تقلقي، مؤكد النتيجة ستكون مطمئنة، ولكن هذا التورم يوحي بشيء آخر، ولابد من التحقق منه. ابتسمت قائلة: أعلم ولقد فهمت عليه. باستغراب سألت: لما استدعاني؟! أجبتها بنفس الابتسامة: يظنني حزينة أو عقلي لم يستوعب من هول الصدمة لذا خَرِست.ربتت على كتفي وهي تبتسم «مطمئنة»، تركته لأطرق باب الطبيبة الجميلة التي أحالتني إليه وأخبرها، أخفت نظرة حزن بسرعة لتجدني أواسيها: لا تقلقي يا دكتورة أموري ممتازة بإذن الله. أجابتني بسرعة: مؤكد هذا مجرد إجراء روتيني في الحالات المثيلة.شكرتُها مغادرة وأنا أفكر بكمية الأطباء الذين رأيتهم خلال هذا الشهر لم يطلب أحدهم تلك الخزعة المفجعة، لكن هذا ليس وقت الحزن، فكرت وعيناي تنتقلان إلى تلك الكافتيريا الصغيرة، لأسارع بشراء إفطاري منه، ولسان حالي يقول «أهم شيء الأكل الآن».في موعدي التالي تغير الطبيب، كنت أتمنى أن ينفي كلام طبيبي السابق لكنه أصر أكثر منه على تلك الخزعة، ضقت.. لما لا يُطمئنني أحدهم فيقول مجرد كيس دهني مثلاً؟!فحوصات لا حصر لها انتهت بذلك الفحص المقيت الذي لم أجربه مطلقاً، أشعة الصبغة، عزلة عمن حولي لحين انسحاب تلك المادة، ألم.. فقلق.. فخوف.. حزن، ورعب، تغلفه تلك الابتسامة الزائفة وادعاء «الطبيعية» في ممارسة حياتي الروتينية، مرت الأيام وكأنني بخير ظاهرياً، فارغة داخلياً، أصبح الأرق صديقي، وفراشي كتل من الجمر تلسعني، حتى نسيت كيف ينام البشر.اليوم الموعود! الخزعة! ما أثقله من إجراء وما أسخفه، ولكن الأثقل منه انتظاري للنتيجة.لماذا نخشى السرطان؟! فما هو الا مجرد مرض كباقي الأمراض، قد يعيش المصاب به لسنوات أطول من الشخص السليم. كم من شخص سليم قضى نحبه تحت عجلات سيارة! وكم من شخص أصغر مني توقف قلبه على حين غرة! وألم يمت أشخاص من «غصة بلقمة»؟! لماذا نسينا قوله بأن «لكل داءٍ دواء إلا الموت»؟! سألتني الممرضة أثناء الفحص: لماذا لستِ قلقة؟! لماذا تبتسمين هكذا وكأنكِ لا تعلمين؟! أجبتها: وماذا أفعل إن كان ظنه في محله؟! فعلاً، ماذا أفعل؟! انهياري لن يغير أي شيء، فـ»بي أو بدوني..الحياة ستستمر» لن أوقف حياتي على مرض لا أعلم آخره. النتيجة اليوم. لما الدقائق لا تمضي؟! لما الساعة ثابتة؟! أين طبيبي؟! وقفت عند الباب استمع للنقاش الدائر في الداخل، واسمي يتناثر بين الأسطر، «آآآخ لو كنت أتحدث لغتهم، لم أفهم سوا اسمي» استوعبت حينها (كم كنتُ غبية لاختياري اللغة الخاطئة لأتعلمها!) وأخيراً فُتح الباب وسُمح لي بالدخول وقبل أن أقول أي شيء سارع الطبيب وهو يشير بيده: اجلسي على هذا الكرسي رجاء لأتمكن من التحدث معكِ.فجأة هوى قلبي إلى قعر مظلم لا نهاية له، صعوبة في البلع، وعيناي تدوران في محجريهما، لماذا أصبحت الرؤية ضبابية هكذا؟! انتظار النتيجة في الأيام الماضية جعلني جسداً بلا روح، أما هذه اللحظة، فهي التي قبضت روحي.. وببطء لا يخلو من الرعب استدرت نحو طبيبي الذي لم أعد أراه. ماذا أفعل؟! إنه مرضي.. إنه أنا!