13 سبتمبر 2025
تسجيلكثر في الآونة الأخيرة، كتاب أدب الطفل، وأدب الطفل ليس كغيره من الفنون الأدبية ، فهو يحتاج إلى عناية فائقة في الطرح، والسبب في ذلك يعود إلى أن أدب الطفل بمثابة المُوجه والمُربي للصغار، وهذا الأمر يحتاج إلى تخصص ، والتخصص ليس بالضرورة أنْ يرتبطَ في كلية أو جامعة ما ، بل يحتاجُ إلى دراية كاملة في علم النفس والتربية ومعرفة أحوال المجتمع ، والتركيز على الرسائل المُوجهة للأطفال ، ومن ثمَّ تأتي أدوات الكتابة واللغة والأسلوب فيما بعد ، وقد يتساءل البعض : هل نحتاج فعلاً في هذا الفن إلى دراية ومعرفة أكثر من الإبداع ذاته ، فيكون ردي على ذلك : نعم ، لأن للطفل خصوصية تتعلقُ بالمرحلة العُمرية ، وتلك الخصوصية تحتاجُ إلى معرفة القيم الواضحة والثقافة المدروسة واللاعشوائية في الطرح ، كالأحراش في أدغال الأمازون، وذلك لأنّ الهدفَ من ذلك الأدب هو رفعُ مستوى الأطفال من الناحية الدينية والفكرية والاجتماعية والثقافية. ولا يخلو هذا الأدب من الصور والرسومات والأزياء وكذلك الموسيقى، والتي تُعطي أبعاداً في نفوس الأطفال، ذات وقع ٍ حميد. إنّ الذين يعتقدون أنّ أدبَ الطفل هو مجرد دورة لمدة خمسة أيام ومن ثمَّ إصدارُ كتاب ضئيل في المحتوى ، خال من الجَودة ، بدعمٍ من جهات ٍ غير رسمية، كدور الطبع والنشر، المنتشرة في أرجاء الوطن العربي ، بغرض الاستفادة المادية لتلك الدور، وذلك بإيهام الكاتب المبتدئ بأنّه مبدع، والإبداعُ عنده يحتاجُ إلى 3 سنواتٍ ضوئية فقط ، كي يضعَ قدمَهُ على أولى عتبات ما يُسمى بــ(الإبداع)، وأنّه بعد هذه الوريقات سيكون نجماً ساطعاً، وسينال سمعة أدبيةً ضخمة من خلال نشر مادته (الفارغة) تلك ،إن هذا ما هو إلا ضربٌ من ضروب (اللعب على الذقون)!، بل غشٌ أدبيٌ يحتاجُ إلى تطهير ضمائري !. إن المجتمعات الواعية تدركُ أتمّ الإدراك أنّ هذا الأمر لعب، بل إنه (لعب أطفال)، وعلى تلك المجتمعات أنْ تحرصَ شديدَ الحرص على أن تقفَ بكل صدقٍ وأمانة ، كي تمنعَ تَدَفُقَ تلك الكتب المشبوهة في المضمون، الخالية من التربية والتوجيه والمُضرة في الآن ذاته..! ولن أُبالغَ لو قُلت إنّ بعض المجتمعات بحاجة ماسة إلى سحب تلك المواد الفاسدة !!.. فالطفل كالخامة، الكلمة تُشَكله، فما بالكم بكتابٍ قد زُخْرف غلافه ، بصورٍ كثيرة الألوان، قليلة الملامح، ولا يوجد بها ولو بنسبة 10% من الطرح الذي من الممكن أنْ يُقال عنه ، أقل ما يقال .. أنّه جيد. لا أقصدُ في كلامي هذا شخص بعينه أو كتاب بعينه ، إنّما هي رسالةٌ موجهة لكُتّاب ذلك الأدب الرفيع ، بأن يَحثوا المسير نحو الدرب الصحيح في طَرق المعاني ، والمعنى الصحيح في الطرح لا يأتي هكذا، بل يحتاج إلى الالتفات نحو أدب الطفل الحقيقي ، فنحن في مجتمعاتنا الخليجية ، لدينا ندرة في جميع مناحِي الأدب، باستثناء الشعر بشقيه (الفصيح والنبطي) ، بعكس تلك المجتمعات التي سبقتنا في الأدب، ففيه تُراعى اللغة والميول والاحتياجات والمهارات العمرية، فأدبُ الأطفال بشكلٍ مختصر وواضح : (هو مجموعةُ الآثار الفنية التي تُصوّرُ أفكارًا وإحساسات وأخيلة، تتفقُ ومدارك الأطفال وتتخذُ أشكالاً مُتبلورةً مُتمثلةً في :( القصة والشعر والمسرحية والمقالة والأغنية) كما عرّفه أحد الكتّاب الأفاضل. ومن روّاد هذا الفن، الدانمركي هانس كريستيان أندرسن، والروسي مكسيم غوركي، والذي يقول عن أدب الطفل: (في وسعنا التحدث إلى الصغار عن الأمور الجدية بلغة جذّابة ومقبولة وبعيدة عن الأسلوب التقريري التعليمي).. إذاً هي أمورٌ جدّية جذّابة، وليس هُراء (وطقطقه). ويُذكرُ أنّ العربَ كما قرأتُ في كُتب التراث العربي، كان لديهم قصصُ أطفال تُروى من خلال الحديث بلسان الحيوانات والنباتات والجماد والأفلاك ، وكذلك من خلال الأمثال الشعبية ، ولم تقتصرْ هذه القصص على الأطفال فحسب، بل هي كذلك تصلح للكبار. فـ الحديقةُ السريةُ وصاحب الظل الطويل وسندريلا وأليس في بلاد العجائب وهايدي، ومغامرات توم سوير، هي أعمالٌ خالدةٌ ، لأنّها أعمالٌ ممتازة، وهذا ما نفتقده في مجتمعاتنا للأسف. وبالمناسبة يقول مارك توين صاحب ( مغامرات توم سوير ): "من الأفضل لك أنْ تُغلقَ فمك، وتترك الناس يعتقدون أنّك أحمق، من أنْ تفتحه وتمحو كل شك". إنّ العملَ الأدبي ، فنٌ يُشبه النحت ، فلا بد أنْ يظهرَ للعيان ، على أنه ليس هنالك ما هو أجمل منه ، وإنْ كان هناك قصورٌ، فلا شيء في هذه الحياة كامل ... وهنالك تساؤلٌ أخير يفرض نفسه بقوة ... يا تُرى هل نستطيع أنْ نُعد الذي بين أيدينا من كتب تخص مكتبة الأطفال .. أدبُ أطفال أم ( لعب عيال ) ..!!!