13 سبتمبر 2025
تسجيلكل شيء يدور من حولنا — أياً كانت الظروف المؤدية إليه — نهايته معروفة فهي تلك المعلقة على رقبة (المسرح)، الذي لا يُفرط بها أو حتى يفكر بالتملص من مهامه المؤدية إليها، بل وعلى العكس تماماً نجده فخوراً بكل ما يعيشه بفضلها فينتعش بها، خاصة وأنها تُضفي على كل من يتابع أحداث الحياة الكثير من الفائدة، فحياتنا كمسرح كبير يعرض علينا بين الحين والآخر الكثير من الأعمال التي تعكس كل التجارب الحية التي نعيش كل فصولها على ظهر خشبة تحتضن وجودنا بعد أن نعتليها؛ لنتلاحم ونؤدي ما علينا من أدوار تحمل في رحمها رسالة تخترق المتفرج، الذي يصبح في مراحل لاحقة هو المؤدي لدور خاص به نتابعه؛ كي نأخذ منه الفائدة ونكون بذلك قد قلبنا الأدوار التي تدور وتدور ومن ثم تعود إلينا من جديد بعد أن نكون قد أصبحنا أكثر نضجاً، وقدرة على تفهم مجريات الأحداث، مما يعني أن العمر لا ولن ينتهي حتى نكون قد شاركنا بأكثر من عمل تخلله أكثر من مشهد عَبَرَ عن الوضع المتسلط في حينه، وكشف عن الآلية التي عالجته وأنهته على خير وجه نرغب به ونأمل بأن يكون. مشهد الموتمن المشاهد التي لا تخلو منها حياة أي واحد منا، هو (مشهد الموت)، الذي وإن توافرت كل الأسباب القادرة على تمهيد الطريق لظهوره؛ كي نتجنب معايشة الصدمة التي تلحق به (عادةً)، إلا أنه يظل محتفظاً بحقيقته المؤلمة التي تكسر القلوب وإن تظاهرت بالصمود، ألا وهي: أنه سيفرقنا عمن نحب خلال لحظات ستقف مكتوفة الأيدي أمام عجزنا، فنحن لا نستطيع فعل أي شيء متى حضر تسبقه هيبته، التي تتجمد معها كل الكلمات سواها تلك القادرة على مسح الأحزان لعظيم ما تحتويه ويشمل اسم الله، فيخرج في صورة دعاء تارة وفي صورة رجاء تارة أخرى، والحق أننا وفي كل الأحوال نعيش بتلك الكلمات التي تعيش وسط مشهد نكون فيه قد فارقنا من نحب، ونبحث عن قشة أمل نتعلق بها؛ كي تهدأ النفوس.لم يكن الأسبوع الماضي ليخلو من مشهد الموت، الذي تأثرت به كثيراً، (نعم) قد كانت معرفتي بمن رحلوا (رحمة الله عليهم) متباينة، ولكن ذلك لم يكن ليقف أمام حقيقة أن ما جاء في ذاك المشهد يؤلم فعلاً، فنحن وفي نهاية المطاف بشر ولسنا بحجر، نتأثر بكل من نلتقي بهم، ونتعلق بهم أحياناً ولدرجة قد نصدق معها أن رابطة قوية تجمعنا ببعضنا البعض، ولا يمكن بأن يعترض طريقها ما يمكن بأن ينهي تلك العلاقة، ولكن يأتي حكم الله بما يشاء وكما يشاء؛ لنقبل بقسمته والنفوس راضية بأمره، تماماً كما حدث مع كل من فقد عزيزاً عليه سبق له وأن رحل ولم يترك من بعده سواها الذكرى الطيبة، التي تعيش وإن رحل عنا من نحب.على الرغم من أن مشهد الموت وفي العموم يحمل الألم والأوجاع لكل من يحضره ويتفرج عليه، إلا أنه لم يكن ليمرق بسهولة؛ لنخرج منه ومن بعده بجيوب خالية خاوية، فما حدث قد كان وإلى حدٍ ما غريباً، لن أقول عنه أنه قد كان ساخراً؛ لأنه قد كان غريباً بالفعل، فهو ما قد جاء ليُحملنا على التفكير بما يجدر بأن يكون منا بعد حين، (لا) ما يكون منا في ذات الحين، فواجب العزاء هو ذاته في كل مكان، (نعم) الاختلاف قد كان جلياً من ناحية الشكل، إلا أن المضمون هو ذاته، فهو رحيل من نحب عن هذه الدنيا بعد حياة حافلة ومُكللة بالأعمال التي لن يحصد نتائجها الفعلية سواه من رحل، ولا حق لنا بمعرفة أي شيء عنه سواه ما يسمح به العلي العليم، الذي يعلم ما لا نعلم، ويدرك ما لا ولن ندركه إلا بأمره؛ ليبقى كل شيء ومن بعد كالسر الذي لا يملك حق معرفته سواه صاحبه وصاحب السر فقط. لقد تواجدت في عزاء جدة صديقتي التي كنت أعتبرها جدة لي أيضاً، ولامست الحزن القابع في القلوب بعد أن تأثرت به، وفي المقابل تابعت ومن بعيد طيف الحزن ذاته على بيت فقيد آخر، فكان الاختلاف جلياً من ناحية المظهر والتحضيرات التي حولت واجب العزاء — وللأسف الشديد — لمناسبة اجتماعية يُقبَل عليها من أجل الواجب، ومن أجل أشياء أخرى لا يدركها سوى أصحابها، الذين يتابعون المشهد بعد انسحاب أبطاله، ممن رحلوا وتركوا خشبة الحياة لمن قُدِر لهم البقاء على ظهرها حتى حين، يجدر بهم التحضير من أجل ما سيعقبه على خير وجه، وإلا؟؟؟ (وإلا) لكم حرية التفكير بما يمكن بأن يكون بعد ذلك.وأخيراًرحمك الله يا أبي ورحم كل من رحل، وغفر لك ولهم، وأدخلكم فسيح جناته (اللهم آمين).