11 سبتمبر 2025
تسجيلمازلنا مع سورة محمد صلى الله عليه وسلم ونتوقف عند قوله تعالى (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم) {25}) (إن الذين ارتدوا على أدبارهم) أي رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر وهم المنافقون الذين وصفوا فيما سلف بمرضى القلوب وغيره من قبائح الأفعال والأحوال فإنهم قد كفروا به عليه الصلاة والسلام (من بعد ما تبين لهم الهدى) بالدلائل الظاهرة والمعجزات القاهرة وقيل هم اليهود وقيل أهل الكتابين جميعاً كفروا به عليه الصلاة والسلام بعد ما وجدوا نعته في كتابهم وعرفوا أنه المنعوت بذلك وقوله تعالى (الشيطان سول لهم) أي سهل لهم ركوب العظائم من السول وهو الاسترخاء وقيل من السول المخفف من السؤل لاستمرار القلب بمعنى سول له أمراً حينئذ أوقعه في أمنيته فإن السؤل الأمنية، وقرئ سول أي كيد الشيطان (وأملى لهم) ومد لهم في الأماني والآمال وقيل أمهلهم الله تعالى ولم يعاجلهم بالعقوبة وقرئ وأملى لهم على صيغة المتكلم فالمعنى أن الشيطان يغويهم وأنا أنظرهم أي أمهلوا أو مد في عمرهم. قوله (ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم) {26}) (ذلك) إشارة إلى ما ذكر من ارتدادهم قوله تعالى (بأنهم) أي بسبب أنهم (قالوا) يعني المنافقين المذكورين لا لليهود الكافرين به عليه الصلاة والسلام بعدما وجدوا نعته في التوراة كما قيل فإن كفرهم به ليس بسبب هذا القول ولو فرض صدوره عنهم سواء كان المقول لهم المنافقين أو المشركين على رأي القائل بل من حين بعثته عليه الصلاة والسلام (للذين كرهوا ما نزل الله) أي لليهود الكارهين لنزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علمهم بأنه من عند الله تعالى حسداً وطمعاً في نزوله عليهم لا للمشركين كما قيل فإن قوله تعالى (سنطيعكم في بعض الأمر) عبارة عما حكى عنهم بقوله تعالى " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً وإن قوتلتم لننصرنكم " وهم بنو قريظة والنضير الذين كانوا يوالونهم ويوادونهم وأرادوا بالبعض الذي أشاروا إلى عدم إطاعتهم فيه إظهار كفرهم وإعلان أمرهم بالفعل قبل قتالهم وإخراجهم من ديارهم فإنهم كانوا يأبون ذلك قبل مساس الحاجة الضرورية الداعية إليه لما كان لهم في إظهار الإيمان من المنافع الدنيوية وإنما كانوا يقولون لهم ما يقولون سراً كما يعرب عنه قوله تعالى (والله يعلم إسرارهم) أي إخفاءهم لما يقولونه لليهود، قرأ أسرارهم أي جميع أسرارهم التي من جملتها قولهم هذا وهو متضمن للإفشاء في الدنيا والتعذيب في الآخرة. قوله (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) {27}) والفاء في قوله تعالى (فكيف إذا توفتهم الملائكة) كأنه قيل يفعلون في حياتهم ما يفعلون من الحيل فكيف يفعلون إذا توفتهم الملائكة أي فكيف حالهم أو حيلتهم إذا توفتهم إلخ (يضربون وجوههم وأدبارهم) وهو تصوير لتوفيهم على أهوال الوجوه وأفظعها وعن ابن عباس رضي الله عنهما "لا يتوفى أحد على معصية إلا يضرب الملائكة وجهه ودبره".