10 سبتمبر 2025
تسجيلبدايةً، يُمكننا تعريف سقف الدين بأنه مقدار المال الذي يسمح للولايات المتحدة بالاقتراض لتغطية التزاماتها. ويبلغ سقف الدين الحالي حوالي 31.4 تريليون دولار، وتشمل هذه المبالغ المستحقة الدفع عدة أمور مثل الضمان الاجتماعي ومزايا الرعاية الطبية والاسترداد الضريبي بالإضافة إلى الرواتب العسكرية ومدفوعات الفائدة. وباعتبارها أكبر مستورد للسلع في العالم، تعاني الولايات المتحدة من عجز في الميزانية حيث إن وارداتها تتخطى صادراتها. وفي كل مرة تقترب فيها من سقف الدين، ينشأ نزاع سياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين حول ضرورة رفع سقف الدين من عدمه ويُهدد هذا الصراع بدوره استقرار النظام المالي. ومن الناحية التاريخية، لم تتخلف الولايات المتحدة قط عن سداد ديونها إلا مرة واحدة في عام 1979، عندما تأخر سداد المدفوعات بسبب عطل فني غير مقصود. مفاوضات سقف الدين هذا العام تشبه الأحداث التي وقعت في عامي 2011 و 2013، والتي أبرمت خلالها الاتفاقيات من قبل الأطراف خلال الأيام الأخيرة. ترتب على الاحداث في عام 2011 آثار سلبية بارزة على استقرار الاقتصاد الأمريكي حيث خفضت وكالات التصنيف الائتماني الكبيرة مثل ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني الأمريكي من AAA إلى AA+، مما يعني ارتفاع تكاليف الاقتراض في المقابل. ونتيجة لتلك البلبلة، ارتفعت معدلات الرهن العقاري على مدار شهرين بنسبة 0.7 إلى 0.8 نقطة مئوية قبل انخفاضها تدريجيًا بعد ذلك. علاوة على ذلك وخلال ذلك الوقت، شهد مؤشر S&P 500انخفاضًا بنسبة 17٪ تقريبًا خلال الفترة بين 22 يوليو وأغسطس. في الآونة الأخيرة، قبل الوصول إلى تاريخ انتهاء سقف الدين، أعلنت وكالات التصنيف الائتماني مثل موديز أن أي تأخير طفيف في دفع المستحقات سيقابله تخفيض فوري للتصنيف الائتماني لسندات الخزانة الأمريكية. وأدى ذلك الإعلان إلى إضعاف ثقة المستثمرين فالسوق، ونتيجة لذلك، طلب المستثمرون زيادة قدرها 140 نقطة أساس لسندات الخزانة المستحقة في يونيو كتعويض عن تحمل المخاطر الإضافية، مما انعكس على ارتفاع أسعار الفائدة من 4.4٪ إلى 5.7٪. حدثت كافة هذه التقلبات في أسواق الديون والأسواق المالية في حين أن الولايات المتحدة لم تتخلف عن السداد بعد، لذلك يمكننا تخيّل مدى شدة الأزمة إذا تخلفت الولايات المتحدة عن سداد ديونها. بعد أشهر من المعارضة وتحديدًا بتاريخ 27 مايو، توصل كل من بايدن ورئيس مجلس النواب كيفن مكارثي بعقد اتفاق فيما يتعلق بسقف الديون. أدى عقد هذا الاتفاق إلى تعليق سقف الدين حتى يناير 2025، مما يضمن عدم نشوء مثل هذا النزاع قبل الانتخابات المقبلة. كما تضمن العديد من البنود التي تقيد الإنفاق الحكومي، حيث تضع حدوداً للإنفاق غير المتعلق بالامن القومي، بما في ذلك عدة مجالات مثل التعليم والنقل. ويفرض التشريع قيودًا عدة مثل الحفاظ على مستوى الإنفاق المالي ثابتًا في عام 2024، تليها زيادة لا تزيد عن 1٪ في عام 2025. علاوةً على ذلك، أدى هذا الاتفاق بدوره إلى إلغاء حوالي 28 مليار دولار من الميزانية المخصصة للتعافي من آثار جائحة فيروس كورونا المستجد 19. ذلك بالإضافة إلى فرضه قيودًا على برامج المساعدات المالية المقدمة للأسر المحتاجة والقروض الطلابية، كما خفض أيضًا حوالي 1.4 مليار دولار من تمويل دائرة الإيرادات الداخلية. ومن المتوقع أن تؤدي هذه القيود المفروضة على الإنفاق إلى توفير حوالي تريليون دولار على المدى الطويل. وعلى الرغم من أن هذه المدخرات ستساعد في انخفاض معدل الفائدة الحقيقي، مما سيؤدي في النهاية إلى انخفاض أسعار الفائدة، إلا أن هذا الانخفاض في معدلات الفائدة لن تزيد من الاستهلاك والاستثمار بشكل ملحوظ حيث إن هذه العوامل مدفوعة في الأساس بالدخل والربحية. وبالتالي، ستفشل أسعار الفائدة المخفّضة بتعويض الركود الناتج عن انخفاض معدل الإنفاق. ماذا لو أخفقت الولايات المتحدة في تعليق سقف الدين وتخلفت عن السداد؟ وفقًا لموديز، حتى التخلف الطفيف عن السداد سيسبب في تكبد خسائر فادحة للاقتصادات الأمريكية والعالمية، وأن التخلف عن السداد سيسبب أزمة اقتصادية قريبة لأزمة 2008. هناك العديد من السيناريوهات المحتملة في حالة الاخفاق في رفع مستوى الدين، سنستعرضه فيما يلي: ستضطر الولايات المتحدة إلى طباعة مبالغ هائلة من الدولارات للوفاء بالتزاماتها نظرًا لحاجتها إلى سداد مبالغ كبيرة يجب سدادها في وقت قريب حيث يجب سداد حوالي تريليون دولار في يونيو فقط، وإيرادات الضرائب غير كافية للوفاء كما سيشجع تأجيل سداد الديون العديد من حاملي السندات على بيع سنداتهم، وبالتالي، ستنخفض قيمة هذه السندات بشكل حاد. وسيسهم هذا الانخفاض في قيمة هذه السندات في عدم استقرار السوق حيث ستنخفض قيمة أصول البنوك، محدثًا مشكلة الملاءة المالية التي من شأنها أن تؤدي أيضًا إلى الإفلاس. وختامًا، يمكننا أن نعزو هذا النزاع بشكل أساسي إلى عوامل سياسية من أجل الحد من الإنفاق الحكومي، نظرًا لأن مثل هذه القيود على الإنفاق لن تكون لصالح الحزب الديمقراطي وفي المقابل، ستحقق فائدة لصالح الجمهوريين في الانتخابات المقبلة. ويمكننا أيضًا استنتاج أنه من غير المرجح أن تتخلف الولايات المتحدة عن السداد نظرًا لأن السبب الرئيسي للمعارضة مرتبط بالسياسة، وما يحدث غالبًا يشبه ما حدث سابقًا في عام 2011 والعام الماضي، حيث عُقدت الاتفاقات في الأيام الأخيرة. علاوةً على ذلك، يرتبط النظام العالمي إلى حدّ كبير بالدولار، مما يعني أن العملة الاحتياطية الرئيسية في جميع أنحاء العالم هي الدولار، كما تُسعر جميع السلع تقريبًا مثل النفط والغاز والوقود بالدولار. بالإضافة إلى ذلك، هناك تدفق مالي كبير نحو الاقتصاد الأمريكي، إلى جانب مبالغ كبيرة من الودائع بالدولار في جميع أنحاء العالم، وتسهم جميعها في ارتفاع معدل الطلب على الدولار.