12 سبتمبر 2025
تسجيلبالنظر إلى الأمر من منظور محلي فيمكننا أن نلاحظ أنه منذ بداية تطبيق السياسات التشديدية المُشار إليها في عام 2022 شهد مؤشر بورصة قطر انخفاضًا كبيرًا بلغ حوالي 24 ٪، بالإضافة إلى ذلك يمكننا أن نلاحظ أيضًا انخفاضًا كبيرًا في القطاع العقاري؛ حيث انخفض عدد الصفقات التي أُجريت في عام 2023 بنسبة 21.2 ٪ مقارنةً بمثيلاتها المُجراة في عام 2022 مسجلةً بذلك أدنى مستوى لها على مدار الـ 11 عامًا الماضية مما يُعد بدوره ضغطًا على أسعار الإيجار والبيع، كما أن تصاريح البناء الجديدة الصادرة في عام 2023 قد شهدت بدورها أيضًا انخفاضًا ملحوظًا؛ حيث بلغ عدد التصاريح الصادرة في عام 2023 7900 تصريح مقارنةً بـ 8892 تصريحًا صادرًا في عام 2022 مما يعكس انخفاضًا بنسبة 11.16 ٪، وقد يشكل هذا الانخفاض الكبير في أحد أكبر القطاعات القطرية علامة مثيرة للقلق؛ حيث إن انخفاض سوق العقارات يدفع القطاعات الأخرى إلى الانكماش، فتطوير المباني الجديدة ينطوي على مجموعة واسعة من الأنشطة والخدمات مما يقوض القطاعات الأخرى بالتبعية، وبالتالي فإن تخفيضات أسعار الفائدة القادمة المُزمع الاضطلاع بها هذا العام قد تكون علامةً مُرحبًا بها داخل مثل هذه الأسواق؛ حيث إنها من شأنها أن تساعد في تقليل تكلفة الفرصة البديلة لانتقال رأس المال من صناديق سوق المال مما قد يساعد في تعزيز أسواق الأسهم والعقارات، ولكن مع استمرار بيانات التضخم المرتفعة أصبح من غير المرجع أن نشهد انخفاضا في أسعار الفائدة قبل الربع الرابع من هذا العام، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من تفاقم مشكلة تراجع القطاع العقاري والبورصة خاصة وأن معظم عمليات شراء العقارات يتم تمويلها عن طريق الرهن العقاري والقروض. ومن ناحية أخرى ما يزال يتعين علينا أن نضع في اعتبارنا متغيرات الاقتصاد الكلي التي تشكل ضغطًا على أسعار الغاز والتوترات الجيوسياسية المستمرة في المنطقة وهي كلها عراقيل في طريق النمو. ونتيجة إلى ضعف السوق العقاري أفاد تقرير من (فالوسترات) للربع الأخير من عام 2023 بأن متوسط إيجار الشقق السكنية انخفض بنسبة 7.4 %، كما وضح تقرير من (اس اند بي قلوبال) أن السوق العقاري في قطر يشهد تصحيحاً للأسعار خاصة بعد النشاط الذي شهده خلال استضافة كأس العالم، وأفاد التقرير بأن هذه العملية التصحيحية للأسعار يمكن أن تمتد لعامين أو ثلاثة باعتبار أن الأسعار تميل إلى الثبات على المدى القصير. ويمكننا أن نعزي أحد أهم أسباب ضعف أداء أسواق البورصة والعقارات إلى تزايد وتيرة الودائع في المصارف التجارية حيث شهدت المصارف التجارية ارتفاع إجمالي الودائع المحلية بـ 7.8 % في يناير 2024 مقارنة بيناير 2023 لتبلغ 832.7 مليار ريال مما يوضح أثر السياسة النقدية التشددية في سحب رؤوس الاموال، والذي بتبعيته يقوض الطلب على العقارات والبورصة. يمكننا أيضًا، أن نعزو العوامل لتراجع أسعار القطاع العقاري إلى بناء العديد من العقارات السكنية قبل بطولة 2022 وبسبب ارتفاع نسبة الشواغر في المساحات المكتبية التي تقدر بـ 1.3 - 1.4 مليون متر مربع من المساحات المكتبية الشاغرة المتاحة للإيجار مما بدوره يشكل ضغطاً على الإيجارات وأسعار العقار وجعله أقل جاذبية للمستثمرين. وفي الختام وعلى الرغم من معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي المشهودة، والانخفاض الملحوظ في معدلات التضخم فإنه من السابق لأوانه الإعلان عن انتصار مُحقق ضد التضخم، وتحقيق هبوط ناعم؛ حيث لا تزال هناك العديد من العلامات المثيرة للقلق التي تهدد مرونة النظام المالي، ناهيكم عن التوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم اليوم وهي كلها عوامل تزيد من غموض التوقعات الاقتصادية لعام 2024 وتثير حالة عدم التيقن.