17 سبتمبر 2025
تسجيلليس غريباً فوزُ أردوغان بانتخاباتِ الرئاسةِ التركيةِ، فالرجلُ يقودُ حزباً نقلَ بلاده من الديكتاتوريةِ العسكريةِ والفسادِ والفشلِ إلى الديمقراطيةِ والنزاهةِ والنجاحِ. لكن الغريبَ هو أنَّ تلك الانتخاباتِ التي أجريتْ داخلَ تركيا رافقها انتخاباتٌ عربيةٌ وإسلاميةٌ شعبيةٌ صبتْ جميعها في صالحه. فقد شنتِ الشعوبُ حملاتٍ في وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ دعماً له، وكان كلُّ فردٍ يشعرُ بأنَّ جزءاً من مصيرِ الأمةِ مرتبطٌ بفوزه. ورافقَتِ الحملاتِ المؤيدةَ له حملاتٌ مناهضةٌ شنها الذبابُ الإلكترونيُّ وعديمو الأخلاقِ في دولِ الحصارِ، وساندهم أشباههم في الكيانِ الصهيونيِّ، مما يدفعنا إلى مناقشةِ الظاهرةِ الأردوغانيةِ في النقاطِ التاليةِ: 1) أردوغان في الوعي الشعبيِّ: شعوبُ أمتينا العربيةِ والإسلاميةِ لا تريدُ ديكتاتوراً، ولا وليَّ أمرٍ يحيطُ به علماءُ السلاطينَ الذين يجعلون طاعته أهمَّ من أركانِ الإيمانِ، وإنما تبحثُ عن شخصٍ يحملُ همومها، ويتبنى قضاياها، ويدافعُ عنها بإصرارٍ وكبرياء وعزةٍ، و هي الصفاتُ التي عثرتْ عليها في أردوغان. فهو يمثلُ لأبناءِ أمتينا الأملَ في إيقافِ النزيفِ الحضاريِّ الحادِّ الذي أحدثته السياساتُ المتصهينةُ لبعضِ النظمِ المستبدةِ في جسدِ أمتينا. فالمثقفونَ والسياسيونَ الشرفاءُ يرونَ في التجربةِ التركيةِ تحتَ قيادته نموذجاً إسلامياً ديمقراطياً حَداثياً رائعاً. وينظرُ إليه البسطاءُ المسحوقونَ بالظلمِ والاستبدادِ في بعضِ دولنا على أنه صلاحُ الدينِ الجديدِ الذي سيحققُ لهم انتصاراتٍ تغيرُ واقعهم الذليلَ، وتنقلهم إلى التأثيرِ الإيجابيِّ العظيمِ في الدنيا. والأمرُ الذي تنبغي ملاحظته هو أنَّ أردوغانَ التركيَّ حطمَ الحواجزَ القوميةَ، وأصبحَ ظاهرةً إسلاميةً عامةً فيها شعورٌ بترابطِ الأمةِ ووحدتها. 2) أردوغان وفلسطينَ: استجابَ أردوغان للمطالبِ الشعبيةِ بنصرةِ فلسطينَ والفلسطينيينَ، ولم يبالِ بالضغوطِ الغربيةِ الهائلةِ عليه لتغييرِ مواقفه، فكسبَ قلوبَ العربِ والمسلمينَ، وتحولَ إلى ملاذٍ نفسيٍّ لأبنائها الباحثينَ عن قامةٍ شامخةٍ يلتفونَ حولها ويؤمنونَ جازمينَ بأنها ستقدمُ لهم الأفضلَ دائماً. أما قياداتُ دولٍ عربيةٍ كانتْ كبيرةً في مكانتها وتأثيرها، كمصرَ والسعوديةِ، فإنها لم تقرأْ التاريخَ جيداً، ولم تبالِ بكونِ فلسطينَ جزءاً أصيلاً من إيمانِ الشعوبِ بعقيدتها، بل قامتْ بالاصطدامِ بفجاجةٍ بالضميرِ الإسلاميِّ والعربيِّ حين أصبحتْ تحرصُ على أمنِ الكيانِ الصهيونيِّ، وتسعى للسلامِ معه، وتعلنُ، في نفسِ الوقتِ، عن عدائها لأشقائنا الفلسطينيينَ الذين يقاومونَ الاحتلالَ، ويدفعونَ الثمنَ من أرواحهم ودمائهم ومصائرهم، فكان ذلك سبباً في عزلتها شعبياً، واندحارها الهائلِ أمامَ أردوغان في العقلِ الجمعيِّ للأمةِ. 3) أردوغان والثورةُ السوريةُ: لم يقدمْ أحدٌ للشعبِ السوريِّ ما قدمته له تركيا من استضافةٍ لملايينَ اللاجئينَ، ودعمٍ لثورته، وحرصٍ على عدمِ نجاحِ مخططاتِ الانفصاليينَ لتقسيمِ سوريا. ولم يبدلْ أردوغان مواقفه كما فعلتِ القيادةُ السعوديةُ التي كانت تهددُ النظامَ السوريَّ بالحربِ إذا لم يرحلْ طوعاً، ثم تحولتْ نبرةُ تصريحاتها فأخذتْ تتحدثُ تلميحاً وتصريحاً عن بقاءِ النظامِ ورعايته للحلِّ السياسيِ. وكما نعلمُ فإنَّ الشعوبَ تنفرُ من السياساتِ الرخوةِ غيرِ الثابتةِ، وتتجهُ بأنظارها نحو الذين يعلنونَ مواقفهم ويصرون عليها مهما كانت التحدياتُ، فكان أردوغان موضعَ ثقتها واحترامها. 4) أردوغان وقطر: من المهمِّ لنا، كقطريين، أنْ ندركَ أنَّ بلادنا بقيادةِ سموِّ الأميرِ لها وجودٌ ضخمٌ في قلوبِ وعقولِ العربِ والمسلمينَ، وعندما أُعلنَ الحصارُ عليها، فإنه كان حصاراً على ما تمثله من التزامٍ بقضايا الأمةِ، وتمسُّكٍ بأخلاقِ الإسلامِ والعروبةِ. لذلك، لم يكنِ الموقفُ التركيُّ نصرةً لنا فقط، وإنما كانَ نصرةً للشعوبِ التي أدركتْ أنَّ تلكَ الدولَ تحاصرها بحصارها لقطر، فشعرت بالامتنانِ لأردوغان الذي لم تكنْ سطوةُ المالِ الحرامِ، والتهديداتُ الاقتصاديةُ ينفعانِ في إرغامه على تغييرِ مواقفه. لقد كان الموقفُ التركيُّ مع بلادنا نقشاً جديداً في قلوبِ الأحرارِ والشرفاءِ. كلمةٌ أخيرةٌ: شاءَ منْ شاءَ، وأبى من أبى، سيظلُّ أردوغان علامةً فارقةً في التاريخِ، وسيرحلُ الذينَ تآمروا عليه ويطويهم التاريخُ إلى الأبدِ.