12 سبتمبر 2025
تسجيلذكرنا في المقال السابق أن الاختلاف سنة باقية فأفهام الناس متغايرة وعقولهم متباينة، وبناء عليه فإن تعامل المسلم مع أصحاب الآراء والاختلافات: مذهبية أو عقدية أمر قائم، وإذا كان من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية: تحريم الظلم مطلقا؛ فإن من الظلم الذي نهى الإسلام عنه ظلم المخالف أو تحميله فوق قدرته لأجل الخلاف معه، أو أن يكون للشنآن موضع عند الحكم على الأغيار، قال تعالى {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} يقول الإمام البغوي: "{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ} ولا يحملنكم، {شَنَآنُ قَوْمٍ} بغض قوم، {عَلَى أَلا تَعْدِلُوا} أي: على ترك العدل فيهم لعداوتهم. ثم قال: {اعْدِلُوا} يعني: في أوليائكم وأعدائكم، {هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} يعني: إلى التقوى". فالعدل والقسط ميزان الحقوق عند الله متى وقعت فيه المحاباة والجور - لأي سبب أو علة من العلل - زالت الثقة من الناس، وانتشرت المفاسد، وتقطعت روابطهم الاجتماعية، وصار بأسهم بينهم شديدا، يقول العلامة رشيد رضا رحمه الله: أي ولا يكسبنكم ويحملنكم بغض قوم وعداوتهم لكم، أو بغضكم وعداوتكم لهم، على عدم العدل في أمرهم بالشهادة لهم بحقهم إذا كانوا أصحاب الحق، ومثلها هنا الحكم لهم به، فلا عذر لمؤمن في ترك العدل وعدم إيثاره على الجور والمحاباة، بل عليه جعله فوق الأهواء وحظوظ النفس، وفوق المحبة والعداوة مهما كان سببهما، فلا يتوهمن متوهم أنه يجوز ترك العدل في الشهادة للكافر، أو الحكم له بحقه على المؤمن، ولم يكتف بالتحذير من عدم العدل مهما كان سببه والنية فيه، بل أكد أمره بقوله {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} أي قد فرضت عليكم العدل فرضا لا هوادة فيه، اعدلوا هو - أي العدل المفهوم من"اعدلوا" - أقرب لتقوى الله، أي لاتقاء عقابه وسخطه باتقاء معصيته، وهي الجور الذي هو من أكبر المعاصي، لما يتولد منه من المفاسد". وهذا كلام واضح في عدم الجور على المخالف عند الحكم عليه. كان السلف يرون أن ظلم المخالف بالنيل منه أو من عرضه يعد اجتراء على النار، يقول ابن دقيق العيد (702هـ): "أعراض المسلمين حفرة من النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدثون والحكام".