13 سبتمبر 2025
تسجيلإعلان فوز محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية كان الحلقة الأخيرة في مسلسل أداء الإخوان المعادي للثورة والمناقض لمنطق الثورة في تتابع المهام حال إسقاط رأس النظام والذي بدأ مع لجنة البشري، وانتهى باحتفالية الإخوان أنهم فازوا بمنصب الرئيس. وليس من الإنصاف وصف انتخاب مرسي أنه خطوة على طريق الثورة، ويمكن أن يكون سقوط أحمد شفيق هو رفض للنظام السابق، ولكن لا أستطيع تسكين مرسي ضمن حركة الثورة، وإلا وجب وضع استفتاء مارس وقانون انتخابات مجلس الشعب وأداء الإخوان طوال الفترة الماضية وخلال كافة المواجهات التي سقط فيها الشباب قتلا وسحلا وصمتهم على ذلك كله وأداؤهم في شأن الدستور والجمعية التأسيسية لوضعه، وأخيرا موقفهم من قرار المحكمة الدستورية بشأن عدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب، وجب أن نضع كل ذلك لصالح الثورة! مراجعة أعداد الأصوات بين المرحلتين الأولى والثانية، يجلب أمامنا حقيقة أن قرابة السبعة ملايين صوت أضيفت إلى كلا المرشحين، وهذه الملايين السبعة على كلا الجانبين كانت ترفض إعادة النظام من ناحية وترفض الإخوان من ناحية أخرى، وهي أصوات ليست لأي من المرشحين بقدر كونها أصواتا لا تملك سوى الرفض لما يعبر عنه أي منهما. يجوز للإخوان أن تقيم الأفراح لفوز مرسي، ولكن هل هذا معناه أن أداء الإخوان خلال السبعة عشر شهرا الماضية نال الرضا، وانتقل من خندق مضاد للثورة وغلَّب مصلحة الجماعة على أهداف الثورة ومهامها الواجبة، ووضع الجميع في متاهة الانفلات القانوني والدستوري، لتستعذب الجماعة في نهاية الفترة الماضية أن تطرح نفسها تعبيرا عن الثورة!؟ وهو أمر لا وجود له في يوميات الفترة الماضية. والأكثر افتقارا للمنطق موقف الجماعة ومريديها، ومن اصطفوا إلى جانبها، من حكم المحكمة الدستورية بشأن حل مجلس الشعب، ومرد الرفض، أكثر تشوها وتناقضا في التعامل مع العقول، فقال قائل منهم "كيف تحكم المحكمة الدستورية في شأن مجلس الشعب، وهناك قانون بشأن المحكمة الدستورية داخل اللجنة التشريعية بالمجلس؟" وهو أمر يثير الريبة عن ماهية القصد من وراء مشروع القانون ذلك، وهل عرض قانون إخواني بشأن المحكمة الدستورية يعني إيقاف عملها؟ ويخرج متحدث آخر يتباكى على تكلفة عملية الانتخابات وتكلفة المرشحين في أعمال الدعاية، وكأن الأموال المنصرفة تجيز إهدار حكم عدم دستورية قانون الانتخابات! ويصل الرأي لدى بعض آخر بالتعامل مع القانون بنظام التجزئة، ويقولون إن الحكم ينصرف على ثلث الأعضاء وليس كلهم!؟ ما هو المنطق الذي يضع هذه الآراء والمواقف في إطار الثورة؟، وتجب لها الحشود الجماهيرية بالتحرير، بل ويجتمع عليها بعض ممن يحسبون على الثورة وعيا، منادين وجوب التعلم من الخروج من التحرير يوم 11 فبراير، وهو ما يعني عدم الخروج من التحرير إلا بإلغاء الحكم!!، قولة حق ولكنها ليست للثورة أو لدعم إرادة التغيير الشعبية، ولكنها انسياق وراء رغبة الجماعة في امتلاك اليد العليا لما تقرر وما ترفض. آفة ما نعانيه في مصر الآن هو النسيان، وفقدان الذاكرة القريبة، وتغيير المواقف على الأهواء، فلأن شعار "لا لحكم العسكر" يجد رنينه عند الكثيرين، يسقطون من الحساب تحليل القوى التي وقفت في مواجهة الثورة، ولا تنتمي لها أداء ومنهجا وسياسات وموقفا من أمريكا وإسرائيل أو حتى وعيا بالهوية المصرية، فهل صكوك الغفران لأعداء الثورة انتقائية أيضا؟ هل يملك أحد إجابة تحدد من حصل على كرسي الرئاسة؟ مرسي أم جماعة الإخوان؟ هل يقبل أحد بأن مرسي خرج من عباءة الجماعة؟ هل يستطيع أحد أن يجري توصيفا للخطاب السياسي لمرسي؟ أعتقد أن ذخيرة الرجل السياسية واللغوية أيضا، تعجز عن التعبير عن الثورة المصرية وحاجاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية؟ هل يملك أحد القدرة على الفصل بين الجماعة وحزب الحرية والعدالة؟ وهل هذا أمر متسق مع قانون الأحزاب؟ هل يملك المستشار الجليل رئيس لجنة الأحزاب تفسيرا لهذا؟ هل يملك أحد مبررا قانونيا لاستمرار وجود الجماعة خارج القانون؟ هل يستطيع أحد أن يكشف أغوار خطة الجماعة تجاه الصحافة المصرية؟ والإعلام المملوك حتى اللحظة للدولة؟ هل يملك أحد تصورا لخطة الجماعة تجاه الأزهر؟ هل يستطيع أحد أن يفسر العلاقة بين أمريكا وإسرائيل، عبر ممثليهم بالقاهرة، دبلوماسيين أو تجاريين، أو في واشنطن، وبين الجماعة؟ هل يملك أحد تفسيرا للحدود الحاكمة لعلاقات الجماعة الخارجية، وبالتالي علاقات مرسي؟ هل يملك أحد معنى اللقاء الاستراتيجي بين الجماعة وحركة حماس، وبالتالي علاقة مرسي بذلك؟ وهل هناك من يملك تفسيرا لموقف الجماعة من الجمعية التأسيسية للدستور وضربها عرض الحائط بكل محاولات التوفيق والتلفيق لتمرير تشكيل متوازن للجمعية؟ أليست هذه واحدة من القنابل الموقوتة التي وضعها البشري؟ ثم هل تملك الجماعة مشروعا كاملا للدستور وتريد تمريره؟ ثم هل هناك من يملك تفسيرا لأحاديث الخلافة والقدس والعنف والدم ومرشح الله، التي دارت خلال فترة انتخابات الرئاسة، كما دارت أحاديث التكفير في استفتاء مارس 2011؟ منذ البشري وحتى مرسي، تتبع الجماعة سياسة نعم ولكن؟ في حوارها مع عمر سليمان وخروجها من الميدان وسياسة الفرقة بين الشباب حتى تلك اللقاءات الأخيرة مع عناصر صار لأسمائها لمعان وبريق بسبب الثورة، وجل عطائها أنها أسماء. وفي التعامل مع الرأي العام تتبع سياسة "المعزة العياطة لا يأكلها الذئب"، وهذا النوع من الماعز العياط يثير انتباه الراعي، فيهب إليه خشية أن يأكله الذئب، والأمر لا يعدو جذب الانتباه وتوفير الرعاية لحين تحقيق الغاية. القول بأن اللقاء واجب الآن مع الجماعة هو إهدار لدروس المرحلة الماضية والوعي بالمواقف السلبية والمعادية خلالها، من حق الجماعة أن تقرر أمرها وفق ما ترى، ولكن ليس من حقها احتساب أدائها على الثورة، وليس هناك من يملك صكوك الغفران ولا من يملك الحديث باسم الثورة، فالثورة عمل، وليست مجرد رحلة أقوال لا تتعدى أفواه قائليها، بينما أفعالهم مناوئة للثورة. إن المواقف التي انطلقت خلال الأيام الماضية في مواجهة الجماعة تبدو كغثاء السيل، فهي في منتهاها لا تعدو آحاد الأفراد، ولا تعبر عن عمق مجتمعي. حتى إن البعض منهم يبحث عن السيد الذي يناديه كي ينقذه، وصارت تلك الجماعات عبئا على الثورة وليست قوة مضافة إليها. إن فوز مرسي لا يعني محطة وصول للثورة تنطلق بعدها إلى مهام جديدة، ولكنه مجرد خطوة على طريق خريطة الأداء التي قررها البشري ولجنته وجماعة الإخوان، وربما لا يطول زمن رئاسته لعام واحد إن لم يتضمن الدستور القادم حكما انتقاليا يستكمل بمقتضاه مدة الرئاسة كاملة. إن الحديث عن انقلاب ناعم قام به المجلس الأعلى أتمه بأحكام الدستورية والإعلان التكميلي وقرار الضبطية القضائية وتشكيل مجلس الدفاع، ممكن، ولكم أن ترفضوا ما تشاءون أو تقبلون، ولكن ألم يكن استفتاء مارس انقلابا على الثورة؟ ألم يكن قانون انتخابات مجلس الشعب انقلابا آخر؟ ألم تكن كل محاولات تغيير الهوية المصرية انقلابا ثالثا؟ أليس تشكيل الجمعية الدستورية انقلابا مستمرا حتى الآن؟ هذه الانقلابات في مجموعها تصدر من خندق ضد الثورة، ولكن الانقلاب العسكري الناعم الأخير يكاد يكون محاولة لإعادة تصحيح المسار جاءت متأخرة سبعة عشر شهرا. لا يرغب عاقل أن يهدر الوقت كما أهدرتموه، ولا أن يثير الفوضى القانونية والدستورية كما تفعلون، ويجب على أي عاقل يعي أهداف الثورة أن يعيد تقييم الأداء لكافة الأطراف. وسوف تظل عالقة بثوب الهتافات نقطة سوداء لم يتحدث في شأنها أحد بشجاعة، ماذا تعنون بهتاف "يسقط حكم العسكر"؟ ويجري الحديث أن حكم العسكر كان منذ عام 1952، ولكم هذا، ولكن ماذا تملكون أنتم لوطنكم حتى اللحظة غير هتاف بلا رؤية ولا مضمون وبدون قيادة ودفعتم بشباب الثورة إلى الاستشهاد والإصابة والأمراض النفسية، وهربوا من ادعاءاتكم إلى السكون، يقاومون الإحباط، لأنهم لم يجدوا مثلا أعلى بينكم، ووجدوا بديل ذلك تكالبا على منافع خاصة لا حد لها، ووجدوكم تضعون أيديكم في أيدي من قتلوا رفاقهم، ووجدوكم تجعلون من الشهداء مجرد مصدر للتعويضات ونسيتم قضيتهم التي استشهدوا من أجلها. إن للثورة شهداءها، نعم، وقد انتصروا وهم عند خالقهم في كسر حاجز الخوف، وكشفوا الجميع ومدى قدرتهم ولا أستثني أحدا، وتلبست أرواحهم وعي الشعب، وصار وهو الصامت والمنشغل بلقمة العيش، مصدر القرار، وسيبقى، فهل تستوعبون موقف الشعب أم أن الانشغال بأوهام غير مطروحة على الثورة هو سبيل الهروب من مسؤولياتكم. لعلي لا أملك غير أن أقول الكلمة، كتابة أو حوارا مع الشباب، ولا تقبل النفس جلوسا مع غيرهم، ولكني لن أقبل أن أترك انحرافا بالمسار أو استبدالا للخصومة دون أن أكشفه، قبلتم أو رفضتم. أمران يجب اليقظة تجاههما، الشباب والجمعية التأسيسية. إن استمرار الثورة لن يتحقق بغير استرداد الشباب للمبادأة، نعم .. الطريق طويل، ولكن ما استطاعوا إنجازه في 18 يوما، يمكنهم بتلك القدرات، وما ترتب على إنجازهم من نتائج، أن يعيدوا الإمساك بالثورة وأهدافها، وليس لهم من نبع للقوة غير الالتحام بقوى المجتمع المهملة من الجميع، وهم يرون في الشباب أمل الغد، واستجابوا لهم يومي 25 و28 يناير 2012 لأنهم أدركوا صدقهم، عودة الشباب إلى الشعب، هي طريق انتصار الثورة، العودة إلى الشعب ستفتح باب الوعي بمعنى الوحدة، والوعي بمعنى الدستور، فالشعب قد تجاوز الجميع، والشباب ليس أمامه غير الوفاء للشعب بوجودهم منظمين وساعين إلى تحقيق أهدافه. وتبقى الجمعية التأسيسية للدستور هي قضية الثورة في اللحظة الراهنة، ولا تقبلوا بالانقلاب الذي حاول الاستيلاء عليها من أي تيار كان، فالجمعية التأسيسية ليست تكوينا يعبر عن التكوينات السياسية وحسب، ولكن الجمعية تعبر عن كافة المكونات الاجتماعية للمجتمع، وليست جمعية لتقرير الأمور بأغلبية عددية، ولكنها جمعية لإتمام التوافق حول دستور الثورة. إن الدستور إرادة الشعب، والعلاقة بين الدستور والشعب ليست مجرد الاستفتاء، ولكن العلاقة جدلية فهو تعبير عن الإرادة الشعبية، وهو وعي الإرادة الشعبية بما يتضمنه، حتى يمكن استفتاء الشعب عليه. إن المحاولات الجارية لترويض الثورة ...ع أنيابها، لن تجدي، لأن الثورة موجودة فيمن لا تصل إليه أيديكم ولا عصاكم، إنهم دائما في حالة يقظة، لأن حاجاتهم لم تتحقق بعد، ومن يتعلم أسلوبا ينجز به حاجاته، لا ينساه ولا يتنكر له.