10 سبتمبر 2025

تسجيل

مصير دولة الاحتلال مثل سفينة التيتانك

26 مايو 2024

بعد أن أكد أنها انهزمت أمام حماس أكد اللواء المتقاعد بجيش الاحتلال الإسرائيلي أن مصير إسرائيل مثل سفينة التيتانك؛ فما دلالات ذلك التشبيه، وما الذي دفعه لتلك المقارنة. من الواضح أن الجنرال بريك يشير إلى أهم عوامل السقوط والانهيار وهو غرور القوة؛ فالمهندس الذي أشرف على بناء سفينة تيتانك صرح بأنها لن تتأثر؛ حتى لو اصطدمت بجبل جليد، حيث إنها دليل على التقدم التقني الذي تفخر به بريطانيا العظمى في ذلك الوقت، وأنها أكبر سفن العالم، وأكثرها رفاهية. لذلك لم يهتم المهندسون الذين استخدموا عقولهم في تصميم السفينة وبنائها بتوفير قوارب النجاة، بالرغم من نصوص القوانين، لأنهم لم يتصوروا إمكانية غرق السفينة، وعطل غرور القوة خيالهم، ودفعهم إلى تجاهل إجراءات السلامة، والمحافظة على حياة المسافرين. وكان ذلك الغرور الذي أصاب المهندسين من تجليات غرور بريطانيا التي كانوا يومئذ يقولون إنها لا تغرب عنها الشمس، لكن السفينة غرقت وأصاب ذلك الغرق العالم بصدمة شديدة، ومضت الأيام، وانهارت الإمبراطورية البريطانية، وغربت شمسها، وتحولت إلى دولة تابعة لأمريكا التي كانت تحتلها. الغرور الذي أصاب حكام بريطانيا دفعهم إلى تجاهل حقوق الشعوب، وآمالها في تحقيق استقلالها، والتحرر من الاستعمار، وظنوا أن قوتهم تضمن لهم السيطرة على الشعوب، تماما كما تخيل المهندسون الذين بنوا السفينة تيتانك. ولعل الجنرال إسحق بريك قد أطلق لخياله العنان، فاكتشف أن كل التقدم التقني انهار عندما اصطدم بجبل الجليد، وأن بريطانيا غربت عنها الشمس عندما اصطدمت بإرادة شعوب أرادت أن تتحرر من الاحتلال.. لذلك شكل تشبيه الجنرال بريك استشرافا للمستقبل، فالتقدم التقني يمكن أن يصطدم بجبل فينهار، والقوة الغاشمة يمكن أن تصطدم بإرادة شعب قرر أن يحرر أرضه. ومن المؤكد أن قوة دولة الاحتلال الإسرائيلي أقل بكثير من قوة بريطانيا العظمى التي سلمتها أرض فلسطين، وأعطتها أسلحة الجيش الإنجليزي لترتكب به المذابح ضد الشعب الفلسطيني، وتثير به الرعب، فترغم هذا الشعب على الهجرة من أرضه. مع ذلك فإن المقارنة قد تبدو ناقصة في بعض جوانبها، فالقيادات السياسية البريطانية اشتهرت بالدهاء، وصنع المؤامرات وخداع الشعوب.. أما القيادات الإسرائيلية - خاصة النتن ياهو - فإن قسوتها تثير غضب الشعوب وسخطها. وكان أهم عناصر القوة التي تمكنت أن تقنع بها الصهيونية أوروبا وأمريكا بتأييدها وإمدادها بالأسلحة والأموال السردية التي تقوم على أن اليهود تعرضوا للاضطهاد والمذابح علي يد هتلر، لكن الآن يتضح زيف هذه السردية، حيث يظهر للعالم كله كيف يندفع جيش الاحتلال لارتكاب أبشع المذابح ضد الفلسطينيين في غزة، ويقوم بعملية إبادة وتدمير وتهجير قسري، وينتهك القانون الدولي الإنساني والأخلاقيات. وجيش الاحتلال الإسرائيلي اصطدم بحركة تحرر وطني تمتلك حلما تصر على تحقيقه، وبشعب فلسطين صاحب الأرض والتاريخ والشرعية، والمقاومة الفلسطينية يمكن أن تواصل القتال بصبر وإبداع، والزمن يعمل لصالحها، فالرأي العام العالمي يتغير، وشعوب العالم أصبحت تدرك زيف الدعاية الإسرائيلية، وأن شعب فلسطين هو الذي يتعرض للإبادة، والعالم يتابع تلك الجريمة على شاشات التليفزيون. أما الشعوب العربية فإن الغضب يغلي في صدورها بالرغم من الهدوء الذي يبدو على السطح خوفا من الحكام الطغاة، لكن العقلاء يدركون أن الانفجار قادم، وأن الشرر سيتطاير في كل الاتجاهات، وسينتج منه اشتعال النيران في كل الدول بما فيها أمريكا والدول الأوروبية. ينسب إلى أحد الساسة البريطانيين المشهورين بالدهاء وهو اللورد كرومر – الذي كان الحاكم الفعلي لمصر – قوله: إذا وضعت الغطاء على المرجل انفجر، أما إذا تركت البخار يخرج فإن سلامة المرجل مضمونة (طبقا لترجمة جريدة المقطم). وربما يكون من سوء حظ دولة الاحتلال الإسرائيلي أن طغاة العرب يحكمون الغطاء، ولا يتركون البخار يخرج، ولا يتيحون للشعوب التعبير عن غضبها، فيظن النتن ياهو أن تلك الشعوب ماتت، لكن تلك الشعوب ستنفجر قريبا، وخيال النتن ياهو تجمد مثل مهندسي التيتانك فلم يستطع أن يتخيل أن الاصطدام يمكن أن يحدث، وهو لن يوفر قوارب النجاة لليهود. وذكاء الساسة يمكن أن يخونهم عندما يتجاهلون التفكير في مواجهة المخاطر، وحماية شعوبهم، فالقوة الغاشمة لها حدودها ويمكن أن تنهار كالتقدم التقني عندما اصطدم بجبل الجليد.