19 سبتمبر 2025
تسجيلكما هو الحال مع الولايات المتحدة الأمريكية تتميز دولة الإمارات العربية المتحدة بممارسة مبادئ التجارة الحرة بدليل وجود عجز نوعي في ميزان تجارتها غير النفطية للعام 2011. وعلى ذكر الولايات المتحدة يلاحظ أن عددا غير قليل من دول العالم تتمتع بفائض تجاري معها الأمر الذي يخدم هذه الدول في تحقيق جانب من أهدافها الاقتصادية من قبيل الحفاظ على بعض الوظائف فضلا عن إيجاد وظائف أخرى إضافة لتسجيل نمو في الناتج المحلي الإجمالي. ينطبق هذا على الصين على سبيل المثال على خلفية تسجيل فائض قدره 295 مليار دولار بالنسبة للتجارة في السلع في العام 2011 وحده. في المقابل لا تتمتع الصين بقدرة تنافسية واضحة في مجال الخدمات. وفي كل الأحوال يعد العجز التجاري الضخم أحد الأسباب الرئيسية وراء توتر العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين. ويفرض العجز نفسه في فترة الانتخابات أي في الفترة الحالية حيث يعتبر الجمهوريون والذين يرغبون في استعادة السيطرة على البيت الأبيض دليلا ماديا على عدم انفتاح السوق الصينية أمام السلع الأمريكية. عموما لا يمكن الزعم بأن الصين هي الوحيدة الرابحة من هذه العلاقة التجارية نظرا لاستفادة الطرف الأمريكي من السلع الصينية ذات التكلفة غير المرتفعة لتوفير سبل العيش الكريم لقطاع كبير من المواطنين والمقيمين في الولايات المتحدة. وفيما يخص الإمارات لا بد من التأكيد على تمتعها بفائض مريح في مجموع تجارتها الدولية وبالتالي حسابها الجاري وذلك على خلفية قدرتها على تصدير النفط في ظروف مؤتية فيما يخص الإنتاج والأسعار على حد سواء. وقد حافظت أسعار النفط على مستوياتها المرتفعة أي فوق حاجز 100 دولار للبرميل لفترة زمنية بل منذ العام 2009 ما يعد أمرا متميزا. يتركز الموضوع الرئيسي للمقال حول نتائج التجارة غير النفطية للتدليل على تبني الإمارات لمبدأ التجارة الحرة. فحسب إحصاءات رسمية تم نشرها الأسبوع الماضي تم تسجيل نسبة نمو قدرها 23 في المائة في حجم التجارة غير النفطية في العام 2011 ما يعد رقما لافتا بالنسبة لسنة واحدة. اللافت في هذا الصدد تسجيل نسبة نمو ما بين 20 و24 في المائة للتجارة شهريا خلال العام 2011 ما يعني بأنه لا يمكن اعتبار النتيجة النهائية بمثابة حدث عابر. بمعنى آخر ارتفع حجم التجارة غير النفطية أي الواردات والصادرات بنحو 47 مليار دولار وصولا إلى 253 مليار دولار في العام 2011. يتوزع الرقم ما بين واردات وصادرات قدرها 164 مليار دولار و89 مليار دولار على التوالي. وعلى هذا الأساس بلغت قيمة العجز للتجارة غير النفطية 75 مليار دولار وهو من دون أدنى شك رقم كبير حتى للاقتصادات الرئيسية في العالم. يتضمن بند الصادرات تلك المخصصة لإعادة التصدير، بل هناك شبه سيطرة لخانة إعادة التصدير على مجموع السلع المصدرة وهي من صفات الحالة التجارية لاقتصاد دبي. ليس من الخطأ اعتبار حجم التجارة غير النفطية فضلا عن التفاصيل المتعلقة بالميزان التجاري دليلا ماديا على نجاح الإمارات بشكل عام وإمارة دبي بشكل خاص باحتضان مبادئ التجارة الحرة. ونقول ذلك بالنظر للعب دبي دورا محوريا في التجارة غير النفطية كونها مصدرا رئيسيا بالنسبة لإعادة التصدير. وربما نجحت دبي على وجه الخصوص في تعزيز موقعها التجاري كنتيجة مباشرة للربيع العربي في إشارة لحالة عدم الاستقرار التي واكبت عملية التغيير بالنسبة للدول التي خاضت التجربة في المدى القصير على الأقل. مؤكداً حدث هذا التغيير في التوقيت السليم بالنظر لمحاولة الإمارة التعافي من تداعيات الأزمة المديونية التي مرت بها قبل عدة سنوات. وكانت دبي قد ألحقت ضررا غير مبرر باقتصادها بسبب تبنيها لمشاريع غير مجدة وربما غير ضرورية خصوصا في مجال العقارات. من جملة الأمور المثيرة تشير الأرقام إلى حلول الهند في المرتبة الأولى سواء بالنسبة للدول المصدرة والمستوردة من الإمارات فيما يخص التجارة غير النفطية. وإذا كان هناك من سبب رئيسي فهو بالتأكيد الذهب للتدليل على نجاح دبي على فرض نفسها على خارطة هذه التجارة بالنسبة لاستيراد وتصدير هذه السلعة الإستراتيجية. وفي خط مواز أسهمت التجارة الدولية النفطية منها وغير النفطية في تحقيق إنجازات أخرى لاقتصاد الإمارات في العام الماضي بدليل ارتفاع حجم الناتج المحلي الإجمالي للدولة بواقع 62 مليار دولار وصولا للرقم 360 مليار دولار بالأسعار الجارية. مؤكداً يعود جزء كبير لهذا النمو النوعي والذي يأتي في المرتبة الثانية على مستوى المنطقة بعد الاقتصاد القطري بسبب محافظة أسعار النفط على مستوياتها المرتفعة نسبيا. وقد عزز هذا الرقم من حقيقة مكانة اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية عربيا بعد السعودية. بدورنا نتفق مع الرأي القائل بأنه ربما يكون من الخطأ وجود عجز في الميزانية العامة لأن الأمر يتعلق بالعيش فوق قدرات وإمكانات البلاد. بل من شأن العجز في المالية العامة التسبب في تحميل الناس أو على الأقل الأجيال القادمة صعوبات مالية مرهقة حيث المطلوب إعادة الدين زائد الفوائد. بيد أنه يختلف الأمر بالنسبة للعجز في الميزان التجاري لما له من علاقة بتبني مبادئ التجارة الحرة من جهة وتعزيز المنافسة وبالتالي منح المستهلكين فرصة الحصول على سلع بأسعار تنافسية فضلا عن ضمان توفير خدمات تتناسب وتطلعات المستفيدين إضافة إلى التأكد من وجود بدائل. ختاما ليس من الخطأ الزعم بأن كلا من الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات تعدان في طليعة الدول التي تطبق مبادئ التجارة الحرة بدليل العجز في حسابات التجارة الدولية مقابل تعزيز فرص العيش للمواطنين والمقيمين والزوار.