11 سبتمبر 2025

تسجيل

متى يكون النسيان نعمة ومتى يكون نقمة؟

26 أبريل 2016

النسيان نعمة ونقمة في ذات الوقت، نعمة تُطالب بها حين يتعلق الأمر بمأساة تُذكرك بماضٍ لا رغبة لك فيه، كلما لاح في سماء أيامك شعرت بكل فرائصك وهي ترتعد من شدة الفزع، الذي يلحق بك؛ لتعيش تلك التفاصيل التي سبق لك وأن تخلصت منها بعد أن فصلك النسيان عنها ولفترة من الزمن تمكن فيها من إنقاذك من خطر امتدادها في نفسك، ومن ثم القضاء عليك (لا) لذنب سوى أنك قد فرطت بـ (نعمة النسيان) حين شككت بها وقللت من أهميتها. ثم يكون النسيان نقمة تفر منها حين يتعلق الأمر بذكرى لا ترغب بنسيانها بتاتاً، وتقبل بأن تتعلق بقشةٍ؛ كي تظل قريباً منها حتى وإن وقفت لك الظروف بالمرصاد وحاولت أن تُثنيك عن فعل ذلك، وهو ما تميل إليه عادة بعد أن تجرك قيمة تلك الذكرى، التي تعني لك الكثير، وتكون مجرد فكرة (نسيانها) بسبب الظروف جريمة لن تقبل بها أبداً؛ لذا لن تشعر بأن النسيان نقمة لا ترغب بها بتاتاً، وتفر منها بعيداً بقدر ما ستأخذك خطواتك (السريعة)، وكل ذلك في سبيل التمسك بتلك الذكرى، التي لا ولن ترغب بنسيانها أبداً؛ لأن النسيان في ذاك الموضع تحديداً ليس سوى مجرد نقمة ستدفع من أجل التخلص منها كل ما تملك، وهو كل ما ستحدده أنت دون غيرك؛ لأن الأمر يعنيك وحدك، ووحدك فقط من يملك حق تحديد ما إذا كان النسيان نقمة أم نعمة في هذه اللحظات؟ لاشك أننا نعيش في كل لحظة من لحظات الحياة تجربة جديدة تختلف عن سابقتها، تخلف لنا من الذكريات الكثير، منها ما نرغب بأن ننساه وعلى الفور، ومنها ما نرغب بأن نتعلق به ونتشبث دون أن نفلته بتاتاً، والحق أن في فعل ذلك راحة يدركها من يميل إلى هذا الفعل، وهو ما قد نختلف فيه دون أن نلتفت إلى ذاك الاختلاف طالما أنه لا يُشكل أي تهديد على حياتنا، التي لن تتأثر إلا بحجم الأثر السلبي، الذي سنسمح به، وهو ذاك الذي يغيب عنه العقل والمنطق، لكننا وعلى الرغم من ذلك نجد من المبررات ما يُبيح لنا الإقبال عليه دون تفكير ويمكننا التوقف عند ذاك الحد في هذه اللحظة متى أدركنا متى يكون النسيان نقمة ومتى يكون نعمة من خلال النقطة التالية: حين يتعلق الأمر بالإساءة ورغبة الانتقام؛ لرد الاعتبار فلاشك أن النسيان نعمة لابد وأن نُطالب بها، فكم من قلب عبثت به الإساءة وجرته رغبة الانتقام ومن بعد إلى أماكن مُظلمة يُصبح فيها المظلوم ظالماً، والمُحسن مسيئاً، دون أن يهدأ الأمر؛ لتُدرك الحقيقة كما هي إلا بعد فوات الأوان، الذي لن يخرج منه من سيخرج سوى بحفنة من الراحة الوهمية، وجملة من الحسرات (لا قدر الله ذلك). إن كل الأفعال التي نُقدم عليها تحتاج لردود تقابلها، متى كانت (كان) من السهل أن ننساق خلفها؛ كي نقع في حُفرة الإساءة، التي لن نتمكن من الفرار منها؛ للنجاة بحياتنا إلا في حالة واحدة تحتاج لإيمان قوي يُوجهنا ويُعلمنا كيفية إدارة المواقف، والحق أننا وإن تجاهلنا ذاك الإيمان القادر على تغيير حياتنا للأفضل، وقررنا السير خلف تلك الأفعال التي سنقع بسببها في المشاكل، وسنخسر معها الكثير فإننا لن نتمكن من الوصول إلا لنقطة واحدة يتحكم فيها الغضب تارة والحقد تارة أخرى، ويُحركهما عن بُعد ذاك الجهل، الذي سُيجبرنا على الجري بعيداً عن نعمة النسيان؛ طلباً للانتقام وسعياً منا للحصول عليه، (لا) لنكسب راحتنا (الوهمية) بل لنُلحق بغيرنا ما قد لحق بنا، فنكون بذلك كمن فتح الباب أمام معركة ستبدأ ولكنه لن يعرف متى ستنتهي، فهل تحقيق هذه الرغبة خطوة تستحق العناء؟ وأخيراً من حقك أن تفكر بالإجابة التي تُرضيك، ولكن من حق الحياة أن تنعم بما يُرضيها وذلك بظهور كل من يدرك متى يجدر به التفكير بالنسيان كنعمة ومتى يجدر به التفكير به كنقمة؟ وإلى أن تفعل يكفيني أن أختم بهذه الكلمات. بالنسبة لي فإن النسيان يقف من أمامي عاجزاً؛ لأني لا أريد سواها تلك الذكرى، التي لا ولن أرغب بنسيانها أبداً، فهي تعلق بذاكرتي بقدر ما أتعلق بها؛ لأنها لأبي (رحمة الله عليه)، الذي وإن رحلت بي الدنيا إلى البعيد إلا أني سأعود ومن جديد من أجله فقط، (كم أحبك يا أبي، وكم أشتاق إليك).