10 سبتمبر 2025

تسجيل

حكومة تسويف الأعمال!

26 أبريل 2011

تبدت الحاجة إلى وقفة موضوعية مع حكومة تصريف الأعمال، لا نراجع أعضاءها كأفراد ولكن نتجاوز ذلك إلى القرارات، فلا تنابذ بعد الثورة، ولكنه اختيار حر إذا كان المناخ صالحا، ويعبر عن نفسه بالرفض والقبول. تنقسم الناس في قراءة ما يجري حسب حجم ما اقتطعوه من تورتة الثورة. اختار الخالق عز وعلا "شهداء" بلغ عددهم 860 شهيدا، وهم من ربحوا المواجهة من اللحظة الأولى، فقد انتهت حياتهم فوق أرض طاهرة ولهدف نبيل، واجتباهم ربهم دون خلقه أجمعين، وصاروا في رقابنا أمانة ومسؤولية، ومعهم عشرة آلاف مصاب وفقدان البصر هو الإصابة الأكثر انتشارا، وينفي وزير الداخلية القادم لتصريف الأعمال عنهم الشهادة ويتهمهم بأنهم من "البغاة" على الأقسام، وهو ذات وصف نظام المخلوع، ومع ذلك مازالت الشرطة خارج الخدمة، ومازال هذا الوزير في الخدمة. وهناك من هرب من السجن أو أخرج منه بإفراج صحي، أو رفعت الثورة عنه الحظر السياسي ولم يقدم أوراق اعتماده للثورة كي تقبل به أو ترفضه، ولكنهم يتصدرون المشهد ويوزعون الكراسي النيابية، ويكتبون التعديلات الدستورية، ويقودون المظاهرات الطائفية، ويتحركون خارج الاحتياجات الشعبية من حق العمل والمأكل والملبس والمسكن والصحة، إلى امتلاك الأرض وإقامة شرع الله، ومن يناقش الأمر، يوجه إليه اتهام رفض الإسلام ورفض القرآن، إلى هذا الحد بلغ الأمر بهم. يفتقدون لغة الحوار ويرفعون السيف الديني في وجه المجتمع. ومنهم آخرون كما استخدمهم أمن الدولة، عاد فأطلقهم، وكأنهم أصحاب مصر، ويستغلون الانحياز الشعبي إلى الإيمان والتدين، ويقودون أعتى صور الفتنة في زمن تحتاج مصر فيه إلى وحدة كل الشعب لبناء الدولة. وهناك من يسعى في كل دروب المجتمع وتجمعاته للحديث عن معنى الدستور ووجوب تقديمه على العملية الانتخابية سواء لمجالس نيابية أو رئيس، لأن الشعب لم يسترد إرادته لتغتصب منه وتسلم إلى القادمين من المجهول. ويتردد في الأجواء تساؤل عادل هل ما نحتاجه رؤية وطنيه جديدة، استراتيجية وطنيه، أم فقط دستور، أم نذهب لانتخابات نيابية تكتب نهاية الثورة، وتعود بنا إلى التكتلات العاجزة عن امتلاك تصور مستقبلي للدولة التي نريدها، ومكوناتها الاجتماعية وطريقها الاقتصادي، وهذه التكتلات ذاتها كانت من ضمن الأسباب التي أفضت إلى الفساد بعجزها عن مواجهته، واستدعت الثورة. ورغم أن عدد الأحزاب التي أعلن عنها محدود، إلا أن هناك عشرات من التجمعات تنتسب اسميا إلى كلمات (الائتلاف ومشتقاته، والشباب، والثورة دفاعا أو دعما، والي حقوق الإنسان)، وهي في غالبيتها محاولات أوليه لا تتضمن تصورا، وتحتاج إلى زمن للإنضاج من حيث الكادر والرؤى السياسية، وهذا التعدد والتنوع يؤكد على عدم قدرة المتاح والمقترح من أحزاب على احتواء الجموع الراغبة في المشاركة السياسية. غير أنه أيضاً يشي بأن ثقافة الهروب من المهام السياسية والتزاماتها تسود، وتتزايد نغمة الخدمات الاجتماعية. أفق مضطرب يحده الرهبة والرغبة في المشاركة والعجز عن تحديد الأولويات. وتشهد مصر حركة دائبة من منظمات أمريكية وأوروبية، وتسعى المنظمات في دروب تذكرنا بوقائع التقارب المصري الأمريكي نهاية السبعينيات وانتشار الباحثين الأمريكيين في كل ربوع مصر فيما أطلق عليه "وصف مصر بالأمريكاني"، وكأننا الآن أمام محاولة لتفسير الثورة ووقائعها بالأمريكاني، في محاولة منهم للحاق بما فاتهم نتيجة للمفاجأة والسرعة والحسم مما أدي إلى إسقاط النظام على عكس كل التوقعات الغربية والصهيونية، وهي أيضاً محاولة لتشكيل عقل المجموعات العاملة في المجتمع، وبإمكانات عالية، وبتمويل سخي، وعبر لقاءات تجمع الشباب في فنادق النجوم الخمس، ولأيام ست، ولتدريبات عقلية بالأساس، في غياب لأي جهد وطني مناظر، أو متابعة دقيقة لأهداف هذه التحركات. الآن تتجلى أزمة غياب القيادة وغياب التنظيم، وأن الثورة كانت عابرة لقصور النخب التي لم تستوعب بعد عمق الثورة التي تمت. وتجاوزت أحزاب التشتت، التي فقدت البوصلة. وصارت كلمات الشباب من دون أيديولوجيا متجاوزة رؤى الأحزاب والتيارات السياسية، ولم يرق من هذه الكيانات المهترئة أحد إلى مستوى الرجل القادم من وكالة الطاقة الذرية والذين اتهموه أنه كان بعيدا عن الوطن وجراحه، وكأنهم يرددون أغنيات المواسم الانتخابية بذات إيقاع إعلام النظام المخلوع، جاء الرجل وتحدث على النقيض منهم جميعا عن العدل الاجتماعي والاشتراكية الديمقراطية وضرب مثلا بالنمسا. ورغم هذا مازالت أوجه البهجة المستعارة من النظام المخلوع وخدامة يصارعون الحقيقة ويعرضون أنفسهم عبئا على الوطن. هذا التعدد قد يراه البعض طبيعيا، لأن الجميع لم ير وقائع ما جرى بذات القدر من الوضوح، وعليه تباينت درجات الوعي بمتطلبات التغيير. وإذا كان هذا مقبولا بين الشعب، فكيف به إن أصاب حكومة تصريف الأعمال؟، والذي كان وجودها محل صراع طويل على مدى 55 يوما منذ رحيل الرئيس المخلوع حتى إعلان هذه الحكومة برئيس وزراء ممن اقترحتهم إرادة الجموع المحتشدة. للحكومة صورتان إيجابيتان إحداهما يديرها وزير الخارجية، وتبدو الخارجية كأنها تستعيد عافيتها لأنه رجل يعرف قيمة وطنه ويملك رؤية لمكانة هذا الوطن ودوره والمخاطر التي يواجهها. والصورة الاخرى إعلاميه إعلانية، وبطلها هذه المرة رئيس الحكومة، الذي يفطر في مطعم للفول، ويحمل الحذاء لامرأة دخلت مكتبه وخلعته على الباب ويطلب منها أن ترتديه، ثم يحمل تحية إلى القبائل في سيناء من ابنه المجند بالقوات المسلحة. وعدا ذلك نجد الوقت يضيع من بين يدي الحكومة دون أن تحقق مهام المرحلة الانتقالية، والمهمة الرئيسية أمامها هي توفير مناخ سياسي عام يفتح أفقا أمام قوى المجتمع للإسهام في مهام البناء، وهذا المناخ يتطلب إصدار تشريعات وبناء آليات الحوار المجتمعي، ويتطلب حالة من الأمن تتيح لذلك كله أن يتحقق وينتج رؤية وطنية يتم التوافق عليها، ويجري وضع الدستور الوطني على أساسها. ورغم وضوح هذه المهمة، إلا أن الحكومة لم تنجح في شأنها، سواء بتشتت المهمة وحاجاتها بين الحكومة والمجلس العسكري، أو ضياع المهمة داخل الحكومة ذاتها على يد كل من نائب رئيس الحكومة ووزير الداخلية. فقد وزير الداخلية القدرة على إعادة بناء جهاز الشرطة، لأنه بالأساس قرأ ممارسات الشرطة بعقلية النظام المخلوع، وتدخل في حكم الله عندما أعلن أن من استشهد أمام أقسام الشرطة ليس بشهيد ولكنه بغي. ولم يملك شجاعة محاسبة من اقترف جرائم القتل من أفراد الجهاز، ومارس الالتفاف والخداع في موقفه من جهاز أمن الدولة، ولم يتخذ منحى علمي لإعادة البناء، حتى أن خبراء أعلنوا أن إعادة بناء جهاز الشرطة بذات العناصر غير ممكن. ولم يعلن رئيس الحكومة موقفا من الوزير ولا مهمة إعادة البناء، بينما الشارع يفتقد الأمن لغياب الوزير ورجاله عن أداء مهامهم. ورغم الحاجة إلى الحوار المجتمعي حول آفاق المستقبل تحضيرا للدستور الوطني، والذي ليس مجرد صياغات قانونية، ولكنه توافق إرادي بين قوى المجتمع، إلا أن وضع نائب رئيس الحكومة على رأس هذه المهمة أدى إلى قتلها قبل أن تولد، ووقف النائب مطالبا بالتصالح مع النظام الذي أهدر مصر مكانة وثروة ونشر فيها الفساد، وتزعم بيع الكرامة الوطنية وحق المجتمع فيمن أجرموا وافسدوا، مقابل استرداد الأموال المنهوبة، وعندما وجه إليه النقد، أعلن "أنه كالطود" ولن ينال منه أحد، ويسرب النائب أنه مكلف بإعداد دستور مصر الجديد ورئيس الحكومة كأنه لا يرى ولا يسمع. وتقع الحكومة في فخ تغييرات المحافظين، ويصورها البعض أنها تسلم المحافظات إلى محافظين من النظام المخلوع رغم تغيير 22 محافظا، وتبدو حركة المحافظين ككمين نصب لاصطياد الحكومة وهي "لا تعرف" ماذا تفعل. فأول خطأ وقعت فيه الحركة أنها نقلت محافظا من الإسماعيلية للفيوم، ثم ألغت تعيينه نهائيا بمجرد أن خرج من لقاء المصافحة مع رئيس الحكومة، ليقدم بعد ذلك إلى التحقيقات بتهمة الإضرار بالمال العام، وخرجت مظاهرات ترفض محافظ قنا، وتعجز الحكومة عن مواجهة الأزمة وتستعين بمشايخ الفضائيات لإيجاد حل مع الجماهير هناك، وكأنها وزارة تسليم الدولة المصرية بعد الثورة إلى مشايخ الفضائيات. وتبلغ وقائع التسويف الذروة في أمر ترشيح مصطفي الفقي لمنصب أمين الجامعة العربية، وموقفه من العلاقة مع صندوق النقد الدولي. في الثورات لا يأتي من النظام المخلوع من يرشح نفسه رئيسا أو من يرشحه نظام ما بعد الثورة لمنصب إقليمي، فلو أن الذي يحكم هو نظام الثورة لتم تقديم كل من عمرو موسي ومصطفي الفقي إلى محكمة الثورة بتهمة الإفساد السياسي، ولكن حكومة "تسويف" الأعمال تقبل بهما رغم الثورة، فارق الوعي والانتماء هو مبرر الخلل، وليس من العدل أن نرشح للجامعة العربية شخصا لا نأتمنه في وطننا على شئ. واتفق وزير المالية وصندوق النقد الدولي أن مصر تحتاج 12 مليار دولار، وذهب وزير المالية لاجتماعات مع الصندوق، وعاد دون إعلان حقيقة ما جرى من اتفاق أو اختلاف، رغم الإدراك العام أن سياسات الصندوق عالميا هي منبع الخلل، ولم تعرض الحكومة استبداله بتمويل اقتصادي عربي أو دولي مثل روسيا والصين، أمر آخر يضاف إلى مشاكل حكومة التسويف ووزرائها. هكذا الأمر في مصر الآن، تفرق حول أطماع في أنصبة من تورتة الثورة، وحكومة تسويف لم تنجح في شئ، ووجب مراجعة أمرها: هل نقبل باستمرارها في التسويف، أم نغيرها بدلا من استمرار سياسة الترقيع. فهل تدركنا مليونية تغيير الوزارة قبل إعدام الثورة في الانتخابات النيابية؟