10 سبتمبر 2025
تسجيلمن أكثر المقولات التي أجدها تصدق كثيراً على الواقع، هي أن الإنسان يُشبه ما يُحب، لأن الحب تماهٍ مع ذات المحبوب مهما كان، ومهما كان مكانه وزمانه! فقد يُحب المرء تفاصيل معينة يملأ بها يومه، كوردةٍ شذية، أو موسيقى ندية، أو ملبس معين يفيض به جمالاً وروعة، أو فكرة مجنونة إبداعية، أو حتى لطائف ومنمنمات يعبق بها أنساً ورواحاً، أو سمات شخصية يألفها وتألفه، أو حتى نماذج إنسانية حديثة وقديمة يراها في عينهذات شأن وقيمة استثنائية! كل جزء من ذلك دال على شطر من روحه تشابهت معه، وتماهت مع حقول أثيره، فأصبح لها أليفاً مُحباً، لصيقة بشخصه، ووثيقة الصلة بنفسه. فما أجدر أن يكون المرء حذراً في انتقاء ما يحب، لأنه لن يلبث أن يكون له شبيهاً! ولعل مما يطيب الخاطر، أن يعي الإنسان أن هذه القاعدة من الممكن عكسها، فيسلك في دروب التحبب إلى كل ما يرنو إليه من الجمال والنور والبهاء والإحسان، فيتحين الفرص للتمعن في كل ما من شأنه أن يرقى بروحه، ويُزكي به نفسه، ويرق به قلبه، وتخشع له جوارحه، ويستنير بأنواره فكره، فيصبح له لزيماً حتى يخلع عليه حليته البهية، ويُلقي عليه أنواره السنية من أشباهه من مقامات الرقي والرفعة. فلا يهم حينئذٍ بماذا بدأت، بمراقبة ما تحب فعلاً، أو بالتعرض لنسمات ما تطمح إلى التشبه به والتحبب إليه. فأنت في آخر المطاف ستشبه ما تتعلق به نفسك ولو لم تعلم، وستقتبس ما تكون به لصيقاً ولو لم تلحظ، فما أجدر أن تكون تلك (صناعة على عينك) تتعمد فيها الاقتراب مما تجد أنه من اللائق أن يُشبهك، أو العكس بالدنو مما هو من الموافق أن تتشبه أنت به. فالإنسان هو الصانع المُتقن للوحة حياته، وتفاصيل ما يريد الارتقاء إليه من الإحسان والنبل وحُسن التخلق. وما لم يجده سليقة في طبعه، يتصنعه تطبعاً متعمداً حتى يألفه ويمتزج به. ولعل هذا من الإكرام للنفس، والإنعام للذات بإعادة تشكيلها ونحت تفاصيلها، حتى تتروض لك، وتتهذب الطبع، وتستقيم المسلك فيما أردته لها من طيب الدروب، ورقي مراتب الإجادة والإحسان. *لحظة إدراك: لعل من أبهج المُتع أن يتأمل المرء في عطية الودود له، تلك النفس التي أمنّها بين يديك لتُحسن إليها، وتتكشف جنباتها، وتُعيد اكتشافها، وتُشذب أطرافها، وتُمسك بيدها للأجمل والأسمى، حتى تصبح معها صديقاً صدوقاً صنوا لا يفترق عنها، قد منحتك من الخير ما زرعته فيها، وحفظت لك الإكرام ما دمت مكرماً لها، مُحبباً لها في كل خير يمكنها أن تنتفع به، ومُبعداً لها عن كل شر قد يصيبها منه ضُر.