28 أكتوبر 2025
تسجيلمنذ إطلاق الرئيس أوباما إستراتيجيته بالاستدارة شرقاً لمواجهة واحتواء الصين، وانسحاب أمريكا من العراق وسوريا، وأفغانستان وعودة سيطرة حركة طالبان على كامل أفغانستان، وتجاذب إدارة بايدن مع السعودية وروسيا في مجموعة أوبك بلس بعد خفض إنتاج النفط - في نوفمبر الماضي- بعكس رغبة الرئيس بايدن، وأولوية التدخل في حرب روسيا على أوكرانيا، والعلاقات الأمريكية-الخليجية تشهد تجاذباً وتراجع الثقة! سعت الولايات المتحدة لتحقيق إستراتيجية الانكفاء من منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط خلال العقد الماضي، بخفض وجودها العسكري من قوات ومعدات عسكرية في المنطقة. وإبقاء لواءين باتريوت و4 بطاريات صاروخية لأنظمة الدفاع الصاروخي. وخفض عديد القطع البحرية في الخليج والشرق الأوسط ومغادرة حاملة الطائرات التي كانت تتمركز منذ عقود. نذكر أن الولايات المتحدة تحتفظ بـ 30,000 عسكري أمريكي في الخليج من الكويت إلى سلطنة عمان، و2500 جندي في العراق و900 في سوريا. واليوم بعد عام وشهر من حرب روسيا على أوكرانيا واصطفاف الصين مع روسيا تكرس بزيارة الرئيس الصيني تشي لروسيا واجتماعه مع الرئيس بوتين الأسبوع الماضي، والتأكيد على ضرورة التحالف الإستراتيجي لتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، نشهد صراع القوى الكبرى وتعمق المواجهات ونهاية النظام العالمي الذي تشكَّل عقب الحرب الباردة كما أكد وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان أمام لجان في الكونغرس مؤخراً. تساهم حرب روسيا على أوكرانيا وتنمر وتحدي الصين للولايات المتحدة في مناطق نفوذها القريبة، وتدخل الصين في مناطق نفوذ الولايات المتحدة، وآخرها وساطة الصين بين السعودية وإيران وروسيا وأوكرانيا، وعودة روسيا من بوابة سوريا، وشراكة روسيا مع إيران في حربها على أوكرانيا، وتحالف روسيا مع الصين، وبعد ما أنهت أمريكا حربيها في أفغانستان والعراق لم يعد هناك حاجة للإبقاء على عديد القوات العسكرية والمعدات الثقيلة من عربات ومدرعات ومقاتلات وقطع بحرية، كما تبرر قيادة مسرح العمليات العسكرية الأمريكية USCENTCOM –. ما يسرّع استدارة أمريكا الإستراتيجية من الخليج إلى آسيا! في موقف يؤكد تراجع أهمية منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، قررت وزارة الدفاع الأمريكية خفض عديد القطع العسكرية البحرية في المنطقة من نقل المقاتلات الحديثة من الخليج إلى الشرق وأوروبا ضمن إستراتيجية الولايات المتحدة كما ورد في وثيقتي الأمن الوطني والدفاع الوطني لاحتواء والتصدي لأكبر مصدري تهديد للأمن الوطني. لدعم إستراتيجية الولايات المتحدة التي أطلقت عليها «صراع القوى الكبرى مع الصين وروسيا». لذلك لم يكن مستغرباً تقرير صحيفة وول ستريت جورنال الحصري قبل أيام، بالتأكيد قرار وزارة الدفاع الأمريكية إرسال وتمركز سرب طائرات (12 مقاتلة)- A-10 القديمة قاتلة الدبابات والمدرعات- (دخلت الخدمة عام 1977)، وسرب مقاتلات F15 وآخر F16-إلى الشرق الأوسط، لتكون بديلاً عن المقاتلات الأمريكية الأكثر تطوراً، لضمان عدم وجود فراغ عسكري. وإرسال المقاتلات المتطورة من الشرق الأوسط إلى شرق آسيا وأوروبا لمواجهة وردع القوى الكبرى- الصين وروسيا. لكن لا يبدو أن مقاتلات A-10- (قاتلة الدبابات) قادرة على تحقيق الردع المطلوب لاقتصار مهامها على تدمير الدبابات والمدرعات وليس الردع! وحسب التقارير، أثار قرار وزارة الدفاع الأمريكية الاستغراب بسبب قرار سابق بإحالة طائرات A-10 للتقاعد! لذلك شكك مسؤولون أمريكيون متقاعدون بقدرة هذه المعدات العسكرية الأمريكية على مواجهة وردع التهديدات وخاصة من إيران. لكن أمريكا تحتاج قدرات عسكرية لمكافحة الإرهاب واحتواء إيران. أكدت وزارة الدفاع هدف الوجود العسكري في العراق وسوريا مقاتلة تنظيم داعش- قتلت أمريكا مع حلفائها الأكراد وغيرهم حوالي 700 من مقاتلي داعش عام 2022، إلا أن الوجود العسكري الأمريكي في تراجع، ويتعرض لهجمات واعتداءات بالمسيرات الإيرانية الانتحارية وقصف صاروخي من مليشيات موالية للحرس الثوري الإيراني في قواعد عسكرية أمريكية في الحسكة وشمال شرق سوريا، آخره في الأسبوع الماضي بقصف مسيرات إيرانية انتحارية صواريخ للمرة الثمانين منذ عام 2021، لقواعد أمريكية في شمال سوريا سقط فيها قتلى وجرحى أمريكيون. حمَّل الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية مسؤولية الاعتداءات على إيران لدعمها وتسليحها المليشيات الموالية لها. كما اتهم المسؤولون الأمريكيون روسيا بتحليق مقاتلاتهم فوق القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا. تسببت حرب روسيا على أوكرانيا وتنامي تحدي الصين أمنياً وعسكرياً وتكنولوجياً بتسريع استدارة وتغير أولويات الولايات المتحدة الإستراتيجية من الخليج والشرق الأوسط إلى شرق آسيا وروسيا. برز اعتقاد بعد تفجر أزمة الطاقة بسبب الحرب والعقوبات الغربية على النفط والغاز الروسي ومقاطعة تصدير روسيا لنفطها وغازها بعودة مكانة وأهمية دول مجلس التعاون الخليجي بسبب مصادر إنتاج واحتياطات الطاقة. وكان ملفتاً تقاطر القادة والمسؤولين الغربيين بزيارتهم للعواصم الخليجية وخاصة إلى الرياض والدوحة للحصول على تعهدات بتأمين صادرات الطاقة. وأبرزها كانت زيارة الرئيس جو بايدن لجدة في يوليو 2022، والقمة التي عقدت بين قادة دول مجلس التعاون والرئيس الأمريكي ومطالبته بخفض إنتاج النفط قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر الماضي. لكن ما حدث كان عكس رغبات بايدن وإدارته والديمقراطيين في الكونغرس، بعد قرار مجموعة أوبك بلس بقيادة السعودية وروسيا، خفض إنتاج النفط بواقع 2 مليون برميل نفط يومياً بدءاً من نوفمبر 2022. ما أدى إلى مواجهة وتصعيد بين إدارة بايدن والسعودية وتوعده بمراجعة العلاقة مع الرياض! وبرغم تراجع بايدن عن تهديده، إلا أن موقفه عمق تراجع الثقة! واقعياً تمر العلاقات الأمريكية- الخليجية بمرحلة امتحان صعب. وبات الانكفاء الأمريكي نهجاً متأصلاً. واضح سيتصاعد ويشتد صراع القوى الكبرى مستقبلاً، كما لا تملك القوى الكبرى: الصين وروسيا والهند، القدرات والقرار السياسي لملء الفراغ الإستراتيجي، لذلك على دول مجلس التعاون الخليجي التفكير ببدائل أمنية خارج الصندوق.