15 أكتوبر 2025

تسجيل

أسواق النخاسة العربية

26 مارس 2019

كان البشر يُعرَضون للبيع في أسواق النخاسة، قديماً، رغماً عن إرادتهم، لكننا شهدنا، مؤخراً، ظاهرةً جديرةً بالبحث، هي سعي كثيرين للعبودية بإرادتهم، وصفاقتهم في إصرارهم على دعوة الشعوب للقبول بها وكأنها السبيل لحل مشكلاتها. فمنذ شهور، تقوم العصابات الانفصالية الكردية في شمالي سوريا بمجازر ضد العرب السوريين تحت غطاء محاربة داعش، ويقوم المستوطنون الصهاينة باستباحة المسجد الأقصى علانيةً بحراسة من جنود الجيش الصهيوني، ويرسم الشعبان الجزائري والسوداني أروع اللوحات في تظاهراتهما السلمية الحضارية المطالبة بإصلاحات سياسية، والتي أرعبت الطغاة والمستبدين أعداء الشعوب في بعض دولنا العربية، الخائفين من ربيع عربي جديد. لذلك، قاموا بتوجيه النخاسين الجدد نحو إلهاء الشعوب عن قضاياها الحقيقية، وعن التهديدات الجدية لهويتها وعقيدتها ووجودها، مما يدفعنا لمناقشة قضية النخاسة العصرية في عالمنا العربي، كمقدمة لقراءة المشهد الكلي. 1) هذه الأسواق ظهرت في مصر: بعد انتصار ثورة 25 يناير 2011م، و بدأت أجواء الحرية تُظهر أفضل ما في الشعب المصري، وبعثت الأمل في الأمتين العربية والإسلامية بنهضة حضارية شاملة، مما دفع بأبوظبي والرياض للانقلاب عليها، وتعيين السيسي رئيساً لمصر. ثم أرادت الرياض إرساء حالة جديدة في مصر تقوم على تخليق قضايا وهمية تُلهي المصريين عن مآسيهم المعيشية والسياسية والاقتصادية، وتُبعدهم عن أمتهم، فعينت تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه بالسعودية، مندوباً سامياً لها في القاهرة. ولأنه قصير نظر، ولا يتمتع بالمعرفة والثقافة والقدرة على التخطيط السليم، فقد استجاب لغرائزه البدائية، وأقام أسواق نخاسة عصرية، خلال السنتين الماضيتين، تهافت عليها إعلاميون وفنانون وكُتَّابٌ وعلماء دين يعرضون فيها أنفسهم للبيع علانيةً مقابل أثمان تتناسب مع قدراتهم على النفاق، والتراقص على أشلاء الوطنية المصرية، وتشويه تضحيات الشعوب العربية، والطعن في قضايا الأمة وعقيدتها. ورغم كثرتهم، فإن البارزين منهم يعدون على الأصابع، وأهمهم هو عمرو أديب، طبال كل العصور، الذي لا يصدقه حتى الذين اشتروه. ومنذ أيام، سمعناه يهاجم الأمير الوليد بن طلال، ويلمح لاتهامه له بخيانة المملكة لأن الأمير تحدث بصراحة عن تخاذل القنوات الفضائية المملوكة لبلاده في تغطية مجزرة المسجدين بنيوزيلندا. وهذا الهجوم لا يدل على شجاعة الطبَّال، وإنما يشير إلى عدة أمور، أولها، أن الخلافات داخل الأسرة المالكة لم تعد تُحلُّ بهدوء بعيداً عن الإعلام. وثانيها، أن الجميع في المملكة، مهما عَلتْ مكانتهم، يجب أن يرددوا الخطاب الرسمي لها بنفس العبارات والألفاظ. وثالثها، وهو الأهم، أن تركي آل الشيخ يقوم بأدوار لا يصلح لها لأنه ليس مؤهلاً علمياً وعملياً للتعامل مع قضايا لا يكاد يفقه جزءاً بسيطاً منها. ويبدو أن أسواق النخاسة التي أقامها قد بدأت بالانهيار، وينبغي على الرياض الاعتماد على أشخاص ذوي علم وأخلاق وقدرة على مخاطبة الشعوب بدلاً من أمثاله الذين نفروا القلوب عنها. 2) أسواق النخاسة الظبيانية: وهي أسواقٌ يُعرض فيها أراذل البشر الذين لا يتميزون إلا بضحالة الثقافة، وسلاطة اللسان، والفجور في الخصومة، والجرأة على العقيدة الإسلامية، بحيث نستطيع أن نصف أيَّ واحد منهم بأنه أبو رغال زماننا، نسبةً لأبي رغال الذي كان مرشداً لجيوش أبرهة الحبشي في مجاهل الصحراء عندما قصدت مكة المكرمة لهدم الكعبة المشرفة في عام الفيل المشهور. فوسيم يوسف شحادة، هو الواجهة الدينية لمشروع أبوظبي الهادف لتصنيع إسلام جديد يقوم على الأهواء، ويخلو من الالتزام بقضايا الشعوب. لذلك، نجده ينبري دائماً للطعن في السنة النبوية، وتشويه سير الصحابة، رضي الله عنهم، والنَّيل من العلماء الفقهاء المصلحين. والشخص الثاني، هو محمد شحرور، الذي لا صلة له بالدين، لكنه يتبوأ المشهد الإعلامي الظبياني، ويفسر القرآن الكريم على هواه، ويدعو للفجور السلوكي الفردي والجماعي على أنه تجديد في الإسلام. أما الرويبضة يوسف العلاونة، فهو شخص سوقي بذيء اللسان، طعَّان في الأعراض، شتَّام للكرام، لم يجد حضناً لعفونته إلا في أبو ظبي. كلمة أخيرة: الشعوب العربية لن تقبل بالعبودية، والحرية والعدالة هما اللذان يُظهران أفضل ما فيها. [email protected]