29 أكتوبر 2025
تسجيل(الثقة) هي القاعدة الأساسية التي لابد وأن تستند إليها كل علاقة، وهو الوضع ذاته مع علاقة الكاتب بجمهوره، خاصة وأن ما يخرج من الأول يبحث عن بقعة دافئة في الثاني؛ كي يصل إليها، ويستقر فيها، غير أنه ما لا يكون بسهولة، حيث أن الثقة لا تُمنح، ولا تُصرف، ولكنها تُكتسب بامتداد رقعة العشرة، وتعانق المعرفة التي تشمل الوجهات والتوجهات، وكل ما تميل إليه النفوس، وهو ما يعني وبكل بساطة أن متابعة الكاتب عملية لا تُفرض على الجمهور، ولكن وحده هذا الأخير من يقرر ما يريده، فوحده من يتحكم بزمام أموره، ويدرك تماماً ما يحتاجه، وما يفيض عن حاجته، أما ما يحسبه كل من لا يجيد الحساب فلا مكان له مع هذه الحقيقة، التي بدأت بها هذا اليوم، وهي هذه التي تتعلق بـ (مزاجية) صاحب القلم، وميل كل من يميل إليها تلك المزاجية دون أن يُملي على صاحبها ما يجدر بأن يكون منه؛ لأنه ما سيكون منه بحسب ما ستفرض عليه مزاجيته، والحق أن تلك الحرية، هي ما تسمح للكاتب بفرد مساحة من الإبداع لا مثيل لها، تتلون وفي كل مرة بجديد يُميزها ولا يمت لكل ما سبق له وأن تقدم بأي شيء سواه (المصدر)، الذي يعود نسبه إلى الكاتب نفسه، أي ذاك الذي يدرك ما يكتبه، وكيفية كتابته، والسبب الذي يدفعه؛ كي يفعل، وفي الوقت المناسب، الذي يليق به، دون أن يقاطعه فضول الجمهور، أو أن يصطدم ويرتطم بجهله لحقيقة ما سيُكتب، أي هذا الذي ومن الممكن بأن يعيق رحلة الكاتب، وما يرغب ببثه في مجتمعه، وهو ما يكون عادة بعد أن تدعمه فكرة (الحقوق)، التي ينادي بها من يحسب أن ما يربطه بالكاتب هو التوجيه، وفرض وجهات النظر التي لا تعتمد إلا على زاوية الجمهور دون الأخذ بزاوية الكاتب، أي تلك التي تستحق بأن يُسلط عليها الضوء ومن المقام الأول. إن مشاكسة الجمهور للكاتب هو الحق الذي ينعش العلاقة الممتدة بينهما، ولكن شريطة أن لا تتجاوز الحدود بهروبها بعيداً عن الحقيقة، وحقيقة ما قد حدث أني قد تلقيت رسالة ظريفة حول مقال سبق لي وأن كتبته وقدمته لكم من خلال هذه الزاوية الخاصة جداً، ولكن وكما يبدو فإن الرسالة التي قد حرصت على أن تخرج إليكم قد خرجت ولكنها لم تصل كما أردت لها بأن تكون، وهو ما قد وردني وبعبارات صريحة جداً تطالبني بالتمسك بأرض الواقع أكثر، من خلال سرد الحقائق وبشكل يليق بثفاقة الجمهور الأكثر وعياً بما يدور من حوله، وهو ما لن نختلف عليه بتاتاً، فالواقع أن المجتمع يفيض بالعقول المفكرة، التي تتمتع بثقافة عالية جداً، ولكن ما يخرج عن إطار ذاك الواقع، أننا لا نتحدث عن زمرة واحدة فقط، وعلى درجة واحدة من الوعي والثقافة، بل تلك التي تفوق غيرها، وتتفوق على الجميع، بكل ما تتمتع به، فإن كانت ثقافتك عالية تسمح لك بقراءة ما على السطور فذلك لا يعني أنك ممن يدركون كيفية قراءة ما بين السطور، فمن يقرأ ما على السطور يدرك الرسالة الأولى التي يرغب بها الكاتب، بينما ينتقل من يقرأ ما بين السطور إلى درجة أعلى؛ لأنه يدرك الرسالة الثانية والأكثر أهمية من كل ما قد سبق، والحقيقة أن ما قد حدث من بعد تلك المشاكسة التي داعبت قلمي، أني قد رأيت ضرورة التحدث عن طبيعة الجمهور الذي يتابع هذا العمود بكل ما يجود به من مقالات، لن يدركها الجميع وإن كانت عامة؛ لأنها تزخر بشيء من الفلسفة التي لا تجعلنا نرى ما أمامنا كما يراه غيرنا، ولكنها تلك التي تتعمق أكثر بما نود تسليط الضوء عليه؛ لتخرج بما لم يخرج به غيرنا، مما يعني أن الإرباك الذي يعاني منه من يشعر بأن الرسالة التي يبثها المقال لم تصله بعد ما هو إلا الوضع الطبيعي الذي سيعتريه؛ لغيابه عن ساحة هذه المساحة الكبيرة جداً، والجديدة جداً عليه؛ لذا Don't panic الشخصيات التي نسلط الضوء عليها، وإن كانت تأخذ مساحة كبيرة من الترويج، فهي ودون شك تستحق ذلك، فالإنجازات التي تقوم وتتقدم بها تتحدث عن ذاتها بذاتها، إضافة إلى أن تلك المساحات التي تطل من خلالها وإن كانت كبيرة إلا أنها تظل صغيرة جداً أمام كل ما تتقدم به، وما يُعرف عنها وتطرحه من خلال وسائل إعلامية أخرى، لا يعبر عن كل ما تتمتع به، وكل ما تخطط له، وكل ما ترغب بان تجود به من أجل هذا الوطن، إذ ما هو إلا أقل القليل، ونحن ومن أجل تطورنا وتقدمنا نحتاج إلى الكثير، مما يعني أني أكررها هذه الدعوة ومن جديد، كل من يملك من الأحلام ما يكفي؛ لأن يجعلنا نتقدم خطوة حقيقية إلى الإمام يستحق مني بأن أسلط الضوء عليه، وإن سُلطت عليه الأضواء من قبل وذلك؛ لأننا سنبحث عن الزاوية التي لم يدركها غيرنا عنه؛ لنتحدث عنها.