13 سبتمبر 2025
تسجيلتقاس نجاحات الحروب بالنتائج، معظم الحروب تُحسم ليس على أرض المعارك بل على طاولات التفاوض. أهم نصيحة قدمها صن تزو المخطط الإستراتيجي والعسكري الصيني قبل 2500 عام كانت تجنب الوقوع في الحسابات الخاطئة التي تقود للفشل بتحقيق أهداف الحرب وبالتالي للخسارة. كما كانت حسابات صدام حسين والخميني كارثية، بشن وإطالة الحرب العراقية- الإيرانية ورفض الخميني وقف الحرب في سنتها الثالثة، وشن الحرب على دولة الكويت واحتلالها ورفض جميع وساطات وعروض الانسحاب قبل حرب عاصفة الصحراء التي قادت لهزيمة الجيش العراقي وتحرير دولة الكويت وإعادة الشرعية. وكذلك شهدنا على مدى عام من حرب بوتين على أوكرانيا بسلسلة من حساباته الخاطئة وسوء التقدير: بدءاً بشن أوسع وأكبر حرب في أوروبا وتغيير جغرافيا أوروبا بالقوة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قبل 78 عاماً. وإصرار بوتين على تسميتها "عملية خاصة"، ورفض جميع مساعي التفاوض لإنهاء الحرب- بالتصعيد وضم 4 أقاليم في شرق أوكرانيا - وحسب تحليل خاص لصحيفة فايننشال تايمز نشر عشية الذكرى السنوية الأولى للحرب مع 6 من المستشارين والخبراء الروس السابقين الذين عملوا مع بوتين- يؤكدون أن حلقة صغيرة من المستشارين كانت على علم بنوايا شن بوتين الحرب على أوكرانيا في 24-2-2022- حتى وزير خارجيته لافروف لم يكن يعلم بساعة الصفر. ورفض عدد من مستشاري بوتين بعدم شن الحرب، لكن تشابه الأنظمة القمعية التي لا تتعظ بسوء تقدير حساباتهم تتكرر في حرب روسيا على أوكرانيا بسلوك بوتين شبيه بتصرفات صدام حسين بعدم إطلاع القيادات العسكرية والسياسية على غزو الكويت. ولكن الأكثر مقاربة كان سلوك هتلر بفوقيته بأنه أكثر خبرة واطلاعاً من جنرالاته بشن حربه المفتوحة في أوروبا وخاصة فتح الجبهة الشرقية ضد الاتحاد السوفيتي التي كانت الضربة الحاسمة لبداية نهاية حلمه الأوروبي وقادت لهزيمته وانتحاره! وكان ملفتاً حجم الانتكاسات للقوات الروسية، برغم سيطرتها في بداية الحرب على 17 % من أراضي أوكرانيا وضم 4 أقاليم شرقها، إلا أن القوات الروسية بعد سلسلة الانتكاسات والخسائر المتراكمة فقدت مساحة نصف تلك الأراضي المحتلة وخاصة بعد نكسة الانسحاب من خيرسون المدينة الإستراتيجية المهمة. يؤمن بوتين المهووس بجنون القياصرة الروس واستعادة العظمة المفقودة في أوكرانيا وعلى المسرح الدولي بأنه أكثر دراية واطلاعاً من مستشاريه وقادته العسكريين في حرب تحولت لمستنقع ألحق دمارا وخسائر بشرية تجاوزت 100 ألف قتيل حسب توقعات الاستخبارات الأمريكية والأوروبية، وتراجع الاقتصاد الروسي. وعرت الحرب محدودية قدرات القوات الروسية من حيث الاستعداد اللوجستي والأداء العسكري والفشل في تحقيق الأهداف الإستراتيجية بهزيمة القوات الأوكرانية وإسقاط الحكومة "النازية" ودفع أوكرانيا للفلك الروسي كحال روسيا البيضاء. عرَّت الحرب حسابات بوتين الخاطئة وسوء تقديره بتقليله من قدرات مقاومة الجيش الأوكراني والدعم الدولي من الولايات المتحدة وحلف الناتو والغرب. وبرغم استخدام الروس الفيتو في مجلس الأمن- صوتت ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة منددة في ثلاث مناسبات بحرب روسيا والمطالبة بسحب قواتها من أوكرانيا في مارس 2022-141 دولة. وفي سبتمبر 2022 أدانت 143 دولة ضم روسيا أربعة أقاليم في شرق أوكرانيا للأراضي الروسية. وفي الأسبوع الماضي عشية الذكرى السنوية الأولى لحرب روسيا على أوكرانيا صوتت 141 دولة مجدداً مطالبة بسحب فوري للقوات الروسية دون قيد أو شرط من الأراضي الأوكرانية. وسط تصعيد بوتين العسكري واتهامه الغرب بالتسبب بحرب أوكرانيا! هذه الوقائع تثبت حجم عزلة روسيا في المجتمع الدولي، واقتصار حلفائه على حفنة من الدول الهامشية - سبع دول حليفة لروسيا رفضت إدانة الحرب في أوكرانيا: روسيا البيضاء وسوريا وكوريا الشمالية ونيكارغوا وفنزويلا وإريتريا. أما الدول التي امتنعت عن إدانة روسيا وسحب قواتها من أوكرانيا فمنها دول مؤثرة وفاعلة على الصين والهند وباكستان وإيران والسودان والجزائر- لكنهم يشكلون نصف البشرية - هؤلاء هم حلفاء بوتين وروسيا! حسب آخر الإحصائيات، تسببت حرب روسيا على أوكرانيا بمقتل وإصابة أكثر من 100 ألف جندي روسي حسب إحصائيات الاستخبارات الأمريكية والغربية، ووحدت الغرب وأحرجت حلفاء روسيا بل تتجه لزيادة عدد دول حلف الناتو من 30 دولة إلى 32 عضواً مع اقتراب كل من السويد وفنلندا اللتين بقيتا على الحياد منذ أكثر من قرن، لتتضاعف حدود الناتو مع روسيا بزيادة 1300 كلم بضم فنلندا! في تأكيد لحسابات بوتين الكارثية. التداعيات الاقتصادية - حسب إحصائيات المفوضية العليا لللاجئين التابعة للأمم المتحدة - أدت الحرب إلى ارتفاع عدد اللاجئين خارج أوكرانيا إلى 6.3 مليون لاجئ، و6.6 مليون نازح أوكراني في الداخل، و40 % من الأوكرانيين يعيشون على المساعدات الخارجية و60 % من الشعب الأوكراني يعيشون دون خط الفقر. وتراجع مجمل الناتج القومي لأوكرانيا بنسبة 35 % عام 2022. وتقدر منظمة الأمن والتعاون الأوروبي أن الاقتصاد الروسي سينكمش بنسبة 5.6 % هذا العام ويقدر صندوق النقد الدولي نسبة نمو هزيل للاقتصاد الروسي لا يتجاوز 0.3 %! كما تشير التقديرات الأولية لحاجة إعادة إعمار البنى التحتية المدمرة إلى 139 مليار دولار. أدت الحرب إلى ارتفاع معدل التضخم العالمي إلى 8.8 % في أعلى ارتفاع منذ عقود. ما فاقم ارتفاع الأسعار والسلع الغذائية وخاصة أسعار القمح والنفط والوقود. وسجلت أسعار القمح أعلى سعر لها منذ 10 سنوات، خاصة في الدول العربية التي تستورد 25 % من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا. كما أدت الحرب حسب دراسة لارتفاع قيمة الديون العالمية إلى 300 تريليون دولار ما يعادل ثلاثة أضعاف ونصف مجمل الناتج الاقتصادي السنوي العالمي. كما ارتفع حجم الديون العربية إلى 1.5 تريليون دولار، ما يعادل 94 % من إجمالي الناتج القومي العربي! هذا حصاد هشيم نظام متفرد بالسلطة!