26 أكتوبر 2025
تسجيلفي روايته "طقس" يشير الروائي السوداني أمير تاج السرّ إلى ظاهرة المواهب المظلومة في الوطن العربي، من خلال شخصية "مرتجى" الشاب المجنون الذي يكلّم نفسه مستعرضاً معلومات كاملة عن إحدى بطلات القصة وكأنه موسوعة " الويكيبيديا" كما وصفه تاج السرّ، ولا يلبث أن يحتفي من الحيّ، وحين يسأل عنه يفاجأ أنه كاتب موهوب، وقد فازت إحدى قصصه بجائزة إفريقية مرموقة. وعلى الرغم من أن الراوي وبعد بحث طويل عن صحة ذلك في محرك البحث "غوغل" لم يعثر على ذلك. يذكر أمير تاج السرّ ذاك في سياق فانتازيا روائية ممتعة، مبيّنا كمّ المواهب وأثرها في "مخيال الجماعة"، التي تصنع أبطالها على الدوام. ومن خلال عملي مدرّساً قريباً من هذه القدرات الواعدة، نلمح استعدادات عجيبة عند أطفال ويافعين وشباب، ويكاد يخرج مفهوم "عمر الورود" من المجاز ليكون حقيقة، وأنت ترى هذه القدرات العجيبة من خلال التحصيل الأكاديمي، فبالأمس القريب كنتُ أدرّب طلابي على كتابة نصّ إيقاعي لتعريفهم بالكتابة الشعرية من خلال تفعيلة الوافر " فعولن" وأحسبها من أسهل التفعيلات التي يمكن التدرب عليها، وفاجأني الأولاد بعد تدريب قصير بكتابة جمل شعرية لاتخلو من صور غنية بدلالاتها، كما كتب أحدهم هذا البيت :" وجيب السرورِ خليٌّ/ وجيب الهمومِ مليءُ". في عملنا كمدرّسين أولاً، وكمشتغلين على الكلمة ثانياً، نجد في مثل هذه المحاولات ما يعبر بنا هموم اليوميّ إلى أحلام الغد، وإلى تصوّر متفائل للحياة التي نعيشها، ومن خلال عملي في مدرسة تعلي شعار "التعليم بالفنون" أجد مثل هذه الاكتشافات مثيراً حقيقيّاً تجعل العمل في التعليم متعة حقيقية، ليس الأمر متعلقاً بالأدب فقط، فقد تجد قدرات كثيرة في حفظ القرآن الكريم أو الخطابة أو الخط العربي أو الرسم أو الصحافة المدرسية أو صناعة "الروبوتات" أو الرياضة بمختلف أشكالها، وكم هو مفرح أن تجد أحد طلبتك الطالب المتميّز الأوّل على مستوى مدارس الدولة في أكثر من مجال.العمل مع المواهب متعة حقيقية، ولكن اكتشاف هذه المواهب من خلال الكدح اليومي في التدريس المتعة الأكبر.