12 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); للحوار السوداني قصصٌ جميلةٌ سوف يسجلها التاريخ، وهي شهادةٌ لكل من آمن به وأدرك قطاره في أي من المحطات.. وتراجي مصطفى تمثل نموذجًا لتلك القصص. تراجي ناشطةٌ التزمت خير الوطن إنسانة وإنسانية منذ أن خبرتها ردهات ثانوية بورتسودان.. ناشطةٌ دلفت من بوابات خير المجتمع الصغير داخل مدرستها ثم اتسعت رقاع مجاهداتها الإنسانية عبر الطريق الطويل منذ الدراسة الجامعية وحتى انحيازها لمنهج الحوار وهي تتلمس طريقها في رمضاء المهاجر وأشواك المنعرجات مطلبها أن تشهد وطنًا يتسع للجميع.. مضت طريقها ليعبر المعارضة ردحًا ويسبر غور زيفها حتى حان قطاف الحوار الذي طالما بشرت به.. وعندما شاهدت وسمعت وأدركت بحسٍّ إنساني وطني سياسي خبيرٍ تخيرت ما رأته الطريق الذي يصلها بكل تطلعاتها تجاه الوطن.. وهي تتحرك – هونًا – يشي حراكها أن المغنم عندها لم يكن شخصيًا في أيٍّ من منعرجاته، كما أنه ليس محض قفزةً في الظلام ولا انحراف فجائي مملى عليها بل إنه التدرج الموضوعي المستنير.. ويوم الأربعاء المنصرم، أطلت تراجي عبر قناة بي بي سي من مقر وجودها في كندا لتصل أمسها بيومها بخلاصات ما بلغت، وكم كان البون شاسعًا بينها وبين شابٍ طري القناعات، غض الفكر، خديج الخلاصات، وبين يساريةٍ ليست بذات أواصر بالسودان لا شكلًا ولا موضوعًا.. عندها أدرك الجميع أن منتج الحوار أضحى ملكًا للجميع.. ويكفي الحوار فخرًا وكسبًا أن تحامي عنه تراجي، والمحامي كمال عمر، وبحر أبوقردة الذي حمل السلاح ضد ذات الحكم لسنواتٍ تسعٍ ثم صالح عن عزم وعلم ويقين وصدق.. وهو يتصدى لحسن عثمان رزق الذي ظل جزءًا من الحكم منذ بداية التسعينيات وحتى العام 2013 ثم انقلب ليستلف ألسنة أبوعيسى ومعسكرات اليسار فقط بعد أن تجاوزته المناصب.. وتصور سياسيًا ظل متنفذًا طوال 23 عامًا من عمر الحكم أي بما يتجاوز آل 85 % من حقبة الإنقاذ ليأتي من منبرٍ كالجزيرة ويصف ذات الحكم بأنه من أطال أمد الحرب ومن تسبب في العقوبات الاقتصادية ووضع السودان في قوائم أمريكا للإرهاب! .. إذن أين كنت طوال أكثر من عقدين تسنمت خلالهما ما تسنمت من مناصب قياديةٍ؟ويكفي أن يحامي عن الحوار مخرجاته ومآلاته كمال عمر رغم موقفه الذي كان رافضًا للحوار مشككًا في جدواه وداعيًا لتجاوزه.. ونحمد للرجل أن أمعن النظر واستيقن أن السانحة تنم عن خير عميمٍ للبلاد والعباد وأصبح من المبشرين بجدوى الحوار. ولم يكن طريق كمال عمر لتلك القتاعة مهادًا.. كان ذلك صباح الإثنين الثالث من فبراير من العام 2014 عندما تلقيت هاتفًا من معد برنامج الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة يطلب مني خلاله المشاركة في حلقة اليوم التالي حول خطاب الوثبة الذي ألقاه الرئيس البشير يوم السابع والعشرين من يناير من نفس العام، ودعا خلاله لحوارٍ وطنيٍّ شامل. وطبيعي أن اعتذرت لمحدثي عن المشاركة لضيق الوقت.. وحوالي الثامنة والنصف يوم الثلاثاء الرابع من فبراير هاتفني ونقل لي أن لديه ضيفا بالاستديو مفندا لخطاب الرئيس وأنهم عجزوا عن تدبير مشاركٍ يمثل وجهة النظر الأخرى، ورغم إيماني بأن عدم التواجد بالاستديو هو خصمٌ يخل بمعايير المناظرة، إلا أنني قبلت بالمشاركة.كان الطرف الآخر هو كمال عمر.. الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي وقد أضاف صفة مسؤول الإعلام للأحزاب المعارضة.. استغل الرجل ميزة الكاميرا جيدًا فيما لم تتح لي سوى ميزة الصوت القادم من البعيد.. أرغى الرجل وأزبد ليضع أحكامًا قطعيةً لا يحبذها السياسيون الذين قد تمنحهم (ربما)... سوانح التراجع جرحًا وتعديلًا في مواقفهم.. كان رأي كمال عمر حينها أن النظام ليس لديه استعداد للإصلاح، وأنه مراوغٌ يبرم الاتفاقيات ويخونها، وأن الحوار معه لن يفضي لشيء. وكثيرٌ من الغلواءٌ والشططٌ والتندرٌ على الحكم وغالبه على شخصي الذي ما عصمه عن ردع التخرصات الطاؤوسية سوى عدم تكافؤ الفرص.. كم تمنيت ساعتها أن يحملني أي بساط ليضعني في مواجهة ذلك الغث من الهتاف. وكم هو مبشر أن الرجل وبعد أقل من شهرين اقتنع بصدق النوايا وأصبح من أكثر المدافعين عنه كمكتسب للسودان لا للحكم.