13 سبتمبر 2025
تسجيلكي ندرك قيمة ما نملك نحتاج لأن ندرك أننا نتمتع بالتالي: إما درجة عالية من المسؤولية التي ستوفر لنا كيفية المحافظة على ما نملك؛ لنتأكد من حقيقته كل الوقت فلا نخسره بتاتاً، وإما كتلة من الإهمال تجعلنا نُهمل ما نملك، وننشغل عنه بغيره حتى يفرط منا ونكون نحن من قد فرطنا به، وإن لم نعترف بذلك، والحقيقة أننا نميل إلى الخيار الثاني وإن لم نكن لنعترف بذلك، وهو ما نعيشه حين نعيش لغير ما نملك، ونلتفت لكل ما لا نملكه دون أن نركز على ما نملكه أصلاً؛ كي تمضي بنا الأيام ونمضي معها، دون أن ندرك ما سنخسره حتى نخسره؛ لنتعرف من بعدها على ما كنا نملكه ونسأل وبكل حزن: كيف خسرناه، ولماذا فعلنا؟ وغيرها من الأسئلة التي ستنهال علينا دون رحمة نحتاج إليها فعلياً حينها، وهي كل تلك الأسئلة التي ستؤكد لنا بأننا لم نُقدر ما كنا نملكه، ولم نهتم به أصلاً، وكل ما كان يهمنا أننا ندرك وجوده على رف (الممتلكات) التي قد تكون بالية لا يلتفت لها أي أحد، أو يلقي لها بالاً، وهو ما سيجعله تعيساً كتلك الممتلكات التعيسة، ويبقى السؤال الأكبر: لماذا لا نهتم منذ البداية بما قُدر لنا؟ ولماذا لم نقدره حق تقدير؟ وهل بالضرورة أن نخسره؛ كي ندرك أننا كنا نملكه في يوم من الأيام؟ لاشك بأننا وإن فعلنا فسنكون كمن أدرك ما يملكه عن طريق تلقي أصعب الدروس، وهو الدرس الذي لا يأتي بسهولة، ولا يمت للسهولة بصلة أو قرابة تشفع لنا ولكل من يتلقاه أبداً؛ لأنه وبكل بساطة سيسلبنا ما نملكه دون أن يُعلمنا بكل ما يود القيام به؛ لتقتلعنا الصدمة بعيداً عن الواقع، ولنا في ذلك الكثير من الأمثلة التي تطل علينا يومياً، وتأخذ مساحتها التي تصبح كمرتع لتلك المشاعر السلبية التي تعذبنا طويلاً، دون أن تحدد الوجهة التالية التي ستعقب وجهتها السابقة، فلا نجدها إلا وقد فرغت من ذاك؛ لتباشر عملها مع هذا، فتقع على رأسك؛ لتقع من بعدها دون أن تدرك ما قد حدث لك في يوم وليلة، وهو ما يجعلنا نجد أن الصحيح منا قد صار عليلاً بعد أن فقد صحته التي لم يهتم بها بقدر اهتمامه بمتابعة الأمور التي لن تتحقق له وهو بصحة معدومة، والمُحب سيجد كل من يحبه وقد رحلوا عنه بعد ان انشغل عنهم بعالم آخر لربما بدأ بتحضيره لهم، ولكنه تجاهل أهم شيء وهو أن العالم الذي يُحضره لهم لا قيمة له متى رحلوا عنه، فالأهم بأن يُكَلَل المرء بحب من يحب، لا بمساحات فارغة كانت لتكون لهم، ليس هذا فحسب، بل إننا نملك الكثير من العينات التي تُجسد كل الأمثلة التي تتناول ما كنا نملكه ولكننا خسرناه؛ بسبب تجاهلنا له وانشغالنا بما نعتقد بأنه الأهم، دون أن ندرك أنه لن يعني لنا شيئاً في نهاية المطاف. لا يغيب عن كل مُتابع حقيقي لهذا العمود (كلمات صالحة للنشر) أني قد انشغلت في الفترة الأخيرة بأبي، فكان شغلي الشاغل، ولا قدرة لي على الالتفات لغير ذلك، وإن حرضت قلمي عليه؛ لأنه وبكل فخر أبي الذي كرس حياته من أجلي، ويستحق أن أكرس حياتي من أجله، فقررت وفي مرحلة من المراحل ترك قلمي جانباً؛ للتفرغ لتلك المهمة مناصفة مع أخوتي، غير أني قد وجدت جملة من الرسائل تسألني التنحي عن هذا القرار والعدول عنه؛ لأنه لم يكن عادلاً بما فيه الكفاية، خاصة لأبي نفسه، الذي ظل صوته الحكيم يرافقني كل الوقت ويسألني: هل ستستمر الحياة إن توقف قلمي عن الكتابة؟ وهل ستصبح الأمور في وضع أفضل؟ وهل ترك من يحتاج إلى الإرشاد والتوجيه خطوة موفقة تستحق المتابعة حتى وإن سحقت حاجة من يحتاج إلى كل ما سبق؟ لقد ظلت تلك الأسئلة تراودني في كل لحظة مكثت بها أمام أبي الذي يدرك ومن أعماقه أن مساعدة الغير صدقة من قبل أن تكون تلبية لـ (الواجب) الذي يتوجب علي القيام به، وهو ما قد فكرت به ملياً، وسألت نفسي: هل ما قد قررت القيام به هو الصواب فعلاً؟ هل توجيه دفة الإصلاح من خلال هذا العمود الذي عاهدته على فعل ذلك يستحق التوقف؛ كي تستمر الحياة؟ وهل ستستمر أصلاً؟ حتى وجدت الإجابة بوجه أبي وبوجه كل من رأيته وأنا في طريقي إلى المستشفى حيث هو حبيب قلبي، وهي أن التوقف عن واجبي، سيوقف بث الأمل في الآخرين، وهو ما نفعله أصلاً، (نعم) نحن من نبث الأمل بحياة أفضل في قلوبهم، ومن خلال هذه المهمة التي لا تعتمد على بث الكلمات المنسقة والمنمقة فقط، بل على بث الكلمات الصادقة التي توجه الآخرين نحو الخير، وتُبعدهم عن الشر، وتقدم لهم عينات حقيقية من هذه الحياة وفيها تمدهم بصدق التجربة التي نحتاج إليها بين الحين والآخر؛ كي ندرك ما يجب علينا فعله، وكي نشعر من خلالها بعمق المعاناة التي يعيشها غيرنا، وكيفية خروجهم منها وتوجههم نحو حياة أكثر سعادة. نحن نعيش حين يعيش غيرنا ونعيش كي يعيش غيرنا، وغيرنا يفعل كي نعيش نحن، وإنها لدائرة كبيرة جداً نتوسطها، ونخرج منها بحلول تتحلى بـ (الوسطية)، التي أجدها هنا بين سطور هذا العمود الذي يخرج بكلمات طيبة نحسبها عند الله كذلك، ونرغب بها ولها بأن تكون صدقة لمرضانا وعنهم. خلاصة الكلام لا تنتظر من الحياة أن تضعك بموقف تدرك فيه قيمة ما تملك من صحة ومال وأفراد أسرة وهم الأهم من كل ما سبق؛ لتدرك قيمة ما تملك، ولكن فلتحمد الله في كل يوم تستيقظ فيه على كل نعمة كتبها وقدرها لك، الآن وإن بدأت يومك وقبل ان يقضم الوقت من صباحك أوله، تقرب إلى الله وأشكره على كل نعمة عدت بها إلى الحياة، وتقرب من أقرب الناس إليك، وبادر بالسؤال عنهم وعن حاجاتهم، ولا تنتظر دعوة؛ كي تفعل فقط بادر، فلربما تجد ما لا تتوقعه فالاهتمام يُعيد الحياة إلى الحياة. وأخيراً، تذكر أن تجلس معها نفسك لتحاسبها، وتدرك ما قد فعلته بحق غيرك، ولتشكر من يستحق الشكر، ولتذكر وبخير من يستحق منك ذلك؛ ليرحمك الله ويوفقك ويسخر لك الخير أينما كنت. كلمة أخيرة أتقدم بخالص شكري وتقديري لكل من بادر بالسؤال عن أبي وعن صحته من كل مكان في العالم ومن خلال الرسائل التي وصلتني منهم، ولكل زملائي الذين حرصوا على متابعة أخباره بشكل عام، وللزميلة فوزية علي من قسم المحليات التي تابعت السؤال عنه وبشكل خاص، كما أخص بشكري مركز إبداع الفتاة على مبادرته بالسؤال الذي بلغني من الأخ حسن والأخت هيام.