13 سبتمبر 2025
تسجيلالحديث عن انتشار السلاح في المجتمع المصري الآن والرغبة في امتلاكه أمر يمكن رصده بسهولة، والأسئلة المتعددة حول ضرورات امتلاكه تمثل الطنين الأعلى في المجتمع، والناس في حالة الإحساس بالقهر لا تسعي إلى السلاح من باب الاقتناء أو الوجاهة الاجتماعية، ولكنه امتلاك للاستخدام وأن كان تحديد الهدف مشوشا، هل هو للدفاع عن النفس، أم أنه للمبادرة بالقتل. وأن توفر السلاح في مجتمع منقسم فرض على حامله سلوكا قد يكون مناقضا لطبيعته، فتوافر السلاح يفرض استخدامه، ويغير من بدائل التفكير، ويختزل المسؤولية، ويدفع ببديل استخدام السلاح حتى وأن كان استخدامه غير مجدي. والخطر أن الانقسام لا يرجع إلى التكوين الاجتماعي أو العرقي، ولكنه انقسام مصنوع، تسهم فيه سلطة الحكم بهدف التمكن من السلطة لعجزها عن الخطاب السياسي، وإحساسها أن قطاع عريضا من المجتمع غير قابل بها. وأسهمت أيضا في خلقه لغة الحوار المستخدمة التي تتسم بالتعالي، والاستفزاز، وادعاء امتلاك الحكمة، وزاد علي ذلك اتهام المواطن في دينه ومدي استيعابه له، وادعاء البعض للولاية علي الدين، وممارسة التكفير والتهديد، واستخدام العنف المادي أو المعنوي، وتآمر سلطة الحكم المكشوف أمام الشعب، والتعامل بعدوانية مع منظومة الدوله وادعاء التطهير وهو في حقيقته الاستحواذ والسيطرة لصالح جماعة الإخوان والتيارات الإسلامية. تجاهل السلطة للشعب وقدرته علي كشف الكذب يزيد من حالة انفصال سلطة الحكم عن الشعب. وتكرار الكذب، وادعاء الشرعية تحت وهم التفسيرات الخاصة لمفهوم الشرعية، والولاية علي السلطة من جماعة الإخوان والتيارات الإسلامية وأحزابهم، كل ذلك يؤدي إلى حالة الكره للسلطة وأن لها عالمها الخاص دون الشعب. وتكشف تجربة استخدام السلاح في المناقشة التي جرت داخل الجماعة الإسلامية حول رؤية كل من خالد الإسلامبولي وانتصر لها محمد عبد السلام فرج واختلف عليها عبود الزمر، فكانت رؤية خالد اغتيال السادات، وكانت رؤية عبود الزمر الانتظار فترة تكفي لإتمام انقلاب كامل يغير النظام، فارق بين التكتيك والاستراتيجية، ونجحت عملية الاغتيال وبقي النظام مستمدا شرعيته ومبرر بقائه من حادثة الاغتيال، بل إن المجتمع في محاولته لتجاوز أمر الاغتيال، نسي التناقض مع اتجاهات النظام وعجزه عن الوفاء بالاحتياجات الاقتصادية للمجتمع، وانغمس في لعق جراحه وإتاحة الفرصة أمام الجديد القادم للكرسي وكان يومها حسني مبارك. ولكن ما يجري اليوم مختلف فالحاكم ومكونات السلطة من الإخوان والتيارات الإسلامية، وليس الأمر اختلاف علي اغتيال أو انقلاب، ولكن الأمر تجاوز هذا إلى ما هو اخطر، وتمثل ذلك في العداء لمكونات سياسية في المجتمع، والقضاة والمحكمة الدستورية والإعلام، واستخدام العنف عند قصر الاتحادية ضد متظاهرين سلميين، وحصار المحكمة الدستورية ومنعها من الانعقاد وإدارة الصراع مع قضاتها بأحكام الدستور الجديد، وإجراء الاستفتاء دون الإشراف القضائي، والتغاضي عن حقيقة أن الدستور وثيقة توافقية تعبر عن إرادة الشعب تصيغها جمعية تأسيسية تعبر عن كافة قوي المجتمع، ولا تعبر عن نتائج الانتخابات النيابية، والهدف التمكن من السلطة حتى وأن كان بوسائل لا تنتمي إلى السياسة في شيء، بل هي استمرار لحالة سرقة الثورة، أو خيانتها علي حد تعبير الاوبزرفر البريطانية. وعلى الناحية الأخرى أطلق النشطاء في التحرير على جبهة الإنقاذ التي تضم التيارات السياسية خارج التيار الإسلامي، جبهة "إنقاذ مرسي"، خاصة وأن حركة الميادين تتقدم عليهم، بينما خرج احدهم موافقا علي الدستور مناقضا بذلك موقف الشارع، ومعلنا أنه وجب التفكير في أمر انتخابات المجلس النيابي القادم. انقلاب الأمور من الدفاع عن ثورة جري اقتناصها قسرا، إلى ممارسة السياسة دون وزن نوعي في الشارع، أضاع حق الثورة والشعب في صياغة نظام يعبر عن أهدافها، وساعد على تمكين الإخوان من السلطة، وفي الوقت ذاته دفع بشباب الثورة إلى حالة من الرفض الكامل لكلا الطرفين، وبالتالي الانتقال إلى الرغبة في خلق توازن العنف مع الإخوان وحلفائهم ردا على منهج العنف الذي بدأه الإخوان وحلفاؤهم بالأساس. هل يتوقف العنف عند هذه الأطراف وحدها أم أنه يمتد خارجها؟ أوضحت المواجهات التي دارت خلال الفترة السابقة بامتداد مصر، أن كتلا من الشعب دخلت دائرة الدفاع عن النفس بالعنف المضاد وأن ظل في حدود حرق المقار، ولكنه من جهة الإخوان وصل حد القتل والتعذيب البدني. وهناك احتمال كبير أن موجة عنف منظم يمكنها أن تبدأ، ولكنه عنف الدفاع عن المصالح، سواء بغرض الحفاظ علي البقاء، أو الإسهام في الضغط على النظام القائم، وعنف المصالح هو اخطر من العنف المضاد، لأنه يملك الخبرة خلال تعاونه مع الأمن والحزب الحاكم زمن مبارك، وهو السلاح، وهو يملك المال، ولا يحد من حركته أية قيمة، وكأن الطرف الثالث الذي ظل يقتل المواطنين طوال الفترة الانتقالية، وكان يطلق عليهم البلطجية، لم يعد وحده في مواجهة الثورة وشبابها، بل انضمت إليه التنظيمات الإسلامية وأحزابها، الذين نالوا بجدارة اسم الطرف الثالث بعد وقائع الأربعاء الدامي (5 ديسمبر) أمام الاتحادية. جماعات عنف المصالح، أو إمبراطورية عنف المصالح تفوح رائحتها وبشدة داخل المجتمع. مصادر العنف هذه، ما تحقق منها وما هو في إطار أحلام اليقظة، جميعها يؤكد أن الدم قادم، خاصة أن أضفنا حالة سلبية من جهاز الداخلية، أو هو العنف السلبي، بالامتناع عن مواجه العنف ومصادره من منابعها، هو في ذاته تحريض على فتح باب العنف والفوضى. والحديث عن دور القوات المسلحة حديث يحمل من الالتباس أكثر منه الوضوح. فحالة التعامل الخاطئ مع هذه المؤسسة الوطنية، انتقل من امتلاك مبرر نتيجة الأحداث الدامية التي قتل فيها متظاهرون، ولم يتم تحديد المسؤولين عنها، ومحاسبتهم، إلى حالة الهجوم المباشر من مرشد الإخوان علي قيادات الجيش "جنود مصر طيعون لكنهم يحتاجون إلى قيادة رشيدة توعيهم، بعد أن تولى أمرهم قيادات فاسدة"، لترد القوات المسلحة بإصدار قرار من وزير الدفاع بعدم تمليك الأراضي في المناطق الاستراتيجية (سيناء) لغير المصريين ومن إباء مصريين، وانه حق انتفاع وليس تمليك، والقطع بعدم جواز البيع العرفي لغير المصريين، وفسر البعض القرار بأنه رد علي رغبة كامنة لدي جماعة الإخوان بفتح ارض سيناء أمام أهل غزة للتملك فيها، وفي ذات الوقت كان السؤال بأي صفة يصدر وزير الدفاع هذا القرار، هل هو أمر يخص الأمن القومي، فكيف لا يصدر بقرار جمهوري، أم هو ترتيبات تخص ارض العمليات وتقع في اختصاص وزير الدفاع؟ ويتردد بهمس صاخب أن الرئيس القادم هو وزير الدفاع، أما كيف سيأتي خصوصا أن المدى الزمني المحدد لذلك يقع في النصف الأول من عام 2013 فلا إجابة له، قد تكون أحاديث مرسلة، ولكن الشخص والمنصب محل حديث مما يقارب عاما مضي، وأيضا دون إيضاح لكيف سيحدث ذلك. ملاحظة قاسية بشأن التعامل السلبي للقوات المسلحة لتجاوزات جرت أمام اللجان الانتخابية، رغم منح عناصرها سلطة الضبطية القضائية، فهل تولد لدي الجيش حالة من العزوف عن ممارسة واجبه الداخلي، كما توقفت الداخلية عن ممارسة دورها أمام اللجان، وانتقلت من حالة الفصل بين الأطراف، إلى مواجهة مع الأطراف غير الإسلامية. سلطة تحكم بالمليشيات، ولا تدافع داخليتها عن مقر للنيابية تجري محاصرته للإفراج عن متهم من السلفيين (حازمون) لتنصاع النيابة للمطلب تأمينا لعناصرها، ثم حصار لأحد الأقسام أثناء الانتخابات وسبقه تهديد باقتحام قسم آخر، وعدم التحقيق في أحداث الاتحادية رغم وجود صور وشرائط فيديو، وفوق ذلك كله صراع مع القضاء، وإجراء الاستفتاء رغم عدم وجود إشراف قضائي، والتغاضي عن تجاوزات في إجراءات الاستفتاء أدت إلى استقالة أمين اللجنة العليا للإشراف علي الاستفتاء رغم كل محاولات إثناؤه عن الاستقالة، واختطاف قرارات باستمرار الرئيس في منصبه وكذلك مجلس الشورى المطعون علي شرعيته والذي حال الإعلان الدستوري الأخير دون الحكم في هذه القضية شأنه شأن قضية صلاحية تشكيل الجمعية التأسيسية، كل تلك العوامل قسمت مصر. وصار المشهد الآن، أن قتل المتظاهرين يتم بالميليشيات، لننتقل بعد التقسيم إلى الحرب الأهلية. ليس هناك ضوء في نهاية النفق المظلم الذي دخلته مصر، فالتعامل بالأمر الواقع أو هو العنف، ويلبسون ذلك كله مسوح شرعية صندوق التصويت وكأن غزوة الصناديق التي بدأت باستفتاء 19 مارس 2011 مازالت مستمرة بين أهل الشريعة والدين وأهل الكفر. مغامرات التيار الإسلامي ليست نهاية أمر الثورة، ولكنها الباب إلى جحيم لا يطيقه وطن وشعب ومستقبل.