11 سبتمبر 2025

تسجيل

لا تَجْبَهَنّ بالردِّ وَجهَ مؤمِّل

25 نوفمبر 2015

رأى أبو حسن محمد بن محمد (الشهير بابن لنك البصري) ذل مقام سائل أمام سيده المتجاهل هذا الخاطر المكسور، فخاطبه قائلا: لا تَدخُلنَّك ضجرةٌ من سائل فلَخَيرُ دهرِك أنْ تُرَى مسؤولالا تَجْبَهَنّ بالردِّ وَجهَ مؤمِّل فبقاء عزِّك أن تُرى مَأمولاواعلم بأنك عن قليلٍ صائرٌ خَبَراً فكُن خَبَراً يروقُ جميلاليس مطلوبا من الناس كفاية حاجة السائلين، ولن يحاسبوا على ما عجزوا عنه، لكن هذا العجز لا يعفيهم من جبر خواطر عيال الله -عز وجل- إن الاستعلاء على الضعفة وفق التصور الإسلامي مرفوض، ومرفوض معه كل صدقة أو مصلحة لا تقضى إلا على جسر من الذل أو الهوان، ذلك أن الأصل المقرر في الشريعة قول الله "قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى" فكل منحة يتبعها الأذى؛ لا ضرورة لها! وأولى منها كلمة طيبة وشعور سمح. كلمة طيبة تضمد جراح القلوب، وتفعمها بالرضا والبشاشة، ومغفرة تغسل أحقاد النفوس وتحل محلها الإخاء والصداقة، فالقول المعروف والمغفرة في هذه الحالة يؤديان الوظيفة الأولى للصدقة من تهذيب النفوس وتأليف القلوب. وقديما قالوا: قابل صاحب الحاجة بالبشر، فإن عدمت شكره، لم تعدم عذره .لقد راعى الكتاب والسنة جبر خواطر الناس في أكثر من واقعة منها قوله- تعالى-:{ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } فجبر خاطر المطلقة بالمتعة، ومنها: { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا } فجبر خاطرهم عند رؤية ما لا يستطيعون دفعه ولا طلبه برزق مقسوم لهم.ونبينا -صلى الله عليه وسلم- ربى أصحابه على ذلك، فقد كان يعطي بعضهم متألفا قلوبهم، جابرا خواطرهم، ثم يعلم أن غيرهم لم يصبه من هذا المتاع الذي نفد إلا النذر اليسير، فيعمد إلى تضميد خواطرهم بتخصيص عطاء آخر لهم: "أما إني لأعطي الرجال وأدع الرجال، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي".