19 سبتمبر 2025
تسجيليتمتع الاقتصاد السعودي بالكثير من مواطن القوى، الأمر الذي يسمح للسلطات بالتعامل مع تداعيات انخفاض أسعار النفط وكلفة القتال في اليمن. بكل تأكيد، ينطبق هذا التصور على المدى القصير، لكن تتطلب الاستدامة على المدى المتوسط والمدى الطويل تخطيطا دقيقا للمالية العامة. تتجلى قوة الاقتصاد السعودي في الاحتياطيات الحكومية القوية، وفوائض الحساب الجاري، والأداء في المؤشرات الدولية. تكفي الإشارة إلى أن السعودية صاحبة أكبر اقتصاد على مستوى العالم العربي بناتج محلي إجمالي تفوق قيمته 750 مليار دولار. كما أن السعودية هي الدولة العربية الوحيدة العضو في مجموعة العشرين والتي تضم كبرى الاقتصادات العالمية، مثل الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا والهند. ويلاحظ بأن الاقتصاد السعودي أكبر من نظرائه في الأرجنتين وهي من دول مجموعة العشرين، كما أن اقتصاد المملكة أكبر من العديد من دول الاتحاد الأوروبي، مثل السويد وبولندا وبلجيكا.تضع أحدث الإحصاءات المتاحة قيمة صندوق الثروة السيادية للسعودية بنحو 672 مليار دولار، أي واحدة من أعلى المعدلات على مستوى العالم. في إطار دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فقط لدى الإمارات احتياطيات أقوى من السعودية. وتأتي الكويت في المرتبة الثالثة خليجيا وعربيا بثروة سيادية قدرها 592 مليار دولار. بالعودة للوراء، أسهمت فوائض الموازنات العامة التي تحققت في السنوات القليلة الماضية في تعزيز الثروة السيادية للمملكة، فقد تم تسجيل فائض قدره 103 مليارات دولار في عام 2012 عندما بلغ متوسط أسعار النفط 109 للبرميل، حيث شكل هذا الأداء مفضلا في تاريخ المالية العامة في البلاد. فضلا عن أسعار النفط، حدث هذا التطور في ظل ظروف خاصة، مثل تعويض السعودية لجانب من نقص الإمدادات النفطية في أعقاب تدهور الإنتاج النفطي الليبي والسوري، فضلا عن المقاطعة الغربية للنفط الإيراني. طبعا، يتوقع عودة إيران للسوق النفطية العالمية دون عوائق في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي وقرار الدول الغربية برفع العقوبات.تم انخفاض الفائض إلى 53 مليار دولار في عام 2013 على خلفية تراجع أسعار النفط. كما ظهرت تهديدات بإمكانية حصول عجز في الموازنة في 2014 مع هبوط أسعار النفط خلال السنة نفسها. ومع بدء السنة المالية 2015 بات في حكم المؤكد رصد عجز في الموازنة العامة مع صعوبة التكهن بحجم العجز المالي. وتبين بأن السلطات السعودية وظفت جانبا من الفوائض الضخمة للسنوات القليلة الماضية لتقليص الدين العام. حقيقة القول: احتفظت السعودية بمستوى متدنٍّ من الدين العام، أي في حدود 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مع بداية عام 2015. ومع ذلك، تتوقع مؤسسة موديز ارتفاع مستوى الدين لأكثر من 6 بالمائة للناتج المحلي الإجمالي نهاية العام في ظل وجود الحاجة لتمويل العجز المتوقع في الموازنة العامة بسبب معضلة معادلة المصروفات والإيرادات. وليس من المستبعد أن يتكون عجز المالية العامة من رقمين، قياسا بالناتج المحلي الإجمالي في عام 2015، على أن ينخفض ذلك إلى رقم واحد في عام 2016. تتوقع إحدى وكالات التصنيف بأن يبلغ عجز الموازنة 16.7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015، منخفضا إلى 8.7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2016.يشار إلى أن السلطات السعودية أعدت موازنة السنة المالية 2015 بعجز متوقع قدره 39 مليار دولار وذلك على خلفية نفقات وإيرادات قدرها 230 مليارا و191 مليار دولار على التوالي. بيد أنه يتوقع تسجيل عجز فعلي أعلى بالنظر لبقاء أسعار النفط منخفضة من جهة واندلاع الحرب في اليمن من جهة أخرى، أي ارتفاع مستوى النفقات وليس الإيرادات. تتضمن جملة الإيجابيات الأخرى في الاقتصاد السعودي قدرة تحقيق فوائض ضخمة في الحساب الجاري لحد 106 مليارات دولار في عام 2014. ووفقا لصندوق النقد الدولي، فقد بلغ فائض الحساب الجاري ما نسبته 14 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014. يضع هذا المستوى من الفائض السعودية بين أفضل 10 بلدان في مجال الفائض في الحساب الجاري، بينها سنغافورة وبروناي والكويت وقطر.يعود هذا الأداء بشكل جوهري إلى حقيقة ترتبط بواقع القطاع النفطي في المملكة. تعتبر السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، الأمر الذي يوفر الطمأنينة للمتعاملين معها. فحسب تقرير 2015 لشركة بريتيش بتروليوم، تساهم السعودية بنحو 13 بالمائة من الإنتاج النفطي العالمي، فضلا عن 16 بالمائة من الاحتياطيات النفطية المؤكدة، وهي أرقام جديرة بالنسبة لبلد معين. وفيما يتعلق بالأداء في المؤشرات الدولية، يتمتع الاقتصاد السعودي بقدرة تنافسية مميزة، كما تبين في أحدث نسخة لمؤشر التنافسية ومصدره المنتدى الاقتصادي العالمي. يأتي ترتيب الاقتصاد السعودي في المرتبة رقم 25 عالميا على المؤشر، ما يعد أمرا لافتا. وتبين أن ترتيب المملكة أفضل، بل أحسن حالا من بعض دول الاتحاد الأوروبي والذي يتكون من 28 بلدا. على مستوى مجلس التعاون الخليجي والدول العربية، تحظى كل من قطر والإمارات فقط بترتيب أفضل على المؤشر. يستند المؤشر على العديد من المتغيرات بما في ذلك البنية التحتية واستقرار الاقتصاد الكلي وكفاءة سوق العمل ومستوى تطور أسواق المال والجاهزية التقنية وحجم السوق.كما تتضمن الإيجابيات الأخرى شبه غياب لظاهرة التضخم في الاقتصاد السعودي، حيث تقل النسبة عن 3 بالمائة في الوقت الحاضر. يعود الأمر بشكل جزئي إلى ظاهرة بقاء أسعار النفط منخفضة، ما يترجم إلى عدم وجود تبرير للدول المستوردة للنفط لرفع أسعار صادراتها. مما لا يدع مجالا للشك، يتمتع الاقتصاد السعودي بمرونة كافية للتعامل مع مختلف التحديات الاقتصادية، مستفيدا من الفوائض المالية النوعية التي تحققت في سنوات الرخاء.