13 سبتمبر 2025

تسجيل

لا حرب عالمية ثالثة تلوح في الأفق!

25 سبتمبر 2022

أناقش في مقالي هذا موضوعا مهما يثير كثيرا من القلق والتساؤلات- وتتكرر منذ شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه على أوكرانيا في شهر فبراير من هذا العام؟ هل سنشهد حربا عالمية ثالثة؟ وهل سنشهد حربا نووية مدمرة؟ وهي تساؤلات مشروعة في ظل التطورات المتسارعة والتهديدات والتصريحات والتحذيرات التي تتكرر خاصة من جانب الطرف الروسي من الرئيس بوتين وقيادات نظامه. وكذلك مع تعثر الحرب في أوكرانيا، وتحولها من حرب خاطفة، كان مخططا لها أن تحسم في غضون أيام، بسبب الفارق الكبير في القدرات العسكرية الروسية بالمقارنة مع القدرات القتالية للجيش والقوات الأوكرانية، وكون الجيش الروسي ثاني أقوى جيش في العالم بعد الجيش الأمريكي، ويملك ثاني أكبر ترسانة نووية من أيام الاتحاد السوفيتي، وتم تحديثها وتطويرها بصواريخ فرط صوتية وغيرها من الترسانة العسكرية الحديثة. الجواب باختصار عن السؤالين لا.. ولكن ذلك إذا أخذنا في الاعتبار أن صناع القرار، خاصة في قرار الحرب والسلم وخاصة باستخدام أسلحة الدمار الشامل وخاصة السلاح النووي-يرتكز على نموذج اتخاذ القرار العقلاني-Rational Actor Model بحساب الربح والخسارة. ولكن في الأنظمة غير الديمقراطية لا يمكن التكهن بكيفية اتخاذ القرار- لأنه لا عواقب ولا تداعيات تعاقب متخذ القرارات الكارثية. ولكن برغم ذلك أستبعد شن حرب عالمية ثالثة وخاصة حربا نووية وحتى نووية تكتيكية، وذلك لكلفتها وحجم الخسائر الكارثية ولتحذيرات الرئيس بايدن بأن الثمن سيكون مرتفعاً ومدمراً. وتسربت معلومات أن إدارة الرئيس بايدن حذرت روسيا عبر قنوات خاصة من اللجوء لذلك! لكن سوء تقدير صانع القرار في روسيا المتمثل بالرئيس بوتين، دفعه لشن حرب أطلق عليها «عملية خاصة»، ورغم انقضاء سبعة أشهر أمس وبدء الشهر الثامن من الحرب، إلا أنه لم ينجح بتحقيق أهدافها الإستراتيجية. وبالتالي تحولت لحرب طويلة ومنهكة للطرفين وخسائر بعشرات الآلاف للجنود والمعدات والدبابات والعربات. اعترف وزير الدفاع الروسي بمقتل حوالي 6000 عسكري، بينما أعلن مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) في 20 يوليو الماضي عن مقتل 15 ألف عسكري روسي وجرح 45 ألفا آخرين. وهي حصيلة ثقيلة! بينما أعلنت القيادة العسكرية الأوكرانية في شهر أغسطس الماضي مقتل 9 آلاف عسكري أوكراني في الستة أشهر الأولى من الحرب. صادف إعلان وزير الدفاع الروسي عن عدد قتلى الجنود الروس، بعد إعلان الرئيس الروسي بوتين التعبئة العامة الجزئية لقوات الاحتياط - ولوَّح باستخدام سلاح الدمار الشامل وإجراء استفتاء في 4 مناطق تسيطر عليها القوات الروسية شرق أوكرانيا في إقليم دونباس وفي الجنوب في خيرسون- يطلق عليها الروس مناطق محررة، لضمها إلى روسيا في استفتاء صوري يخالف القانون الدولي، يصفه الأوكرانيون باستفتاء المهزلة. كما شوهد في مطارات روسيا وعلى الحدود الروسية مع فنلندا وجورجيا نزوح جماعي للشباب الروس بسن التجنيد خشية استدعائهم للخدمة العسكرية ضمن الاحتياط للقتال في أوكرانيا، بعد قرار التعبئة الجزئية. ردود الفعل الغربية وحتى من تركيا ودول أخرى كانت سريعة ومنددة ووصفت التلويح الروسي باستخدام أسلحة الدمار الشامل «بالمتهورة»! كما أشار الرئيس بايدن بأنه لا رابح في تلك الحرب! وطالب وزير الخارجية الأمريكي في ترؤسه لوفد اجتماع القوى الخمس الكبرى في مجلس الأمن على هامش الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، روسيا بالتوقف فوراً عن التلويح بالتهديد بخيار السلاح النووي في حربها على أوكرانيا. وطالب بعدما أشار إلى الجرائم التي ترتكب في أوكرانيا، الدول الأعضاء في مجلس الأمن بالتنديد بحرب روسيا على أوكرانيا. نجح النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية بتجنب خلال سبعة قرون ونصف ليس حرب عالمية ثالثة، ولكن حتى حرب عالمية ثالثة. وذلك بسبب المؤسسات الدولية وتوازن القوى الذي تطور بسبب سباق التسلح بين الدول الكبرى بالمعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أوروبا الغربية وغيرهم وذراعهم العسكرية حلف الناتو من جهة وبين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي وحلفائه في أوروبا الشرقية وذراعهم العسكرية حلف وارسو من جهة أخرى-ومواجهات بين نظامين وعقيدتين متصارعتين-الديمقراطيات والحريات والرأسمالية والاقتصاد الحر والتعددية السياسية لدى الغرب، والشمولية والحزب الواحد والشيوعية لدى الشرق. لذلك عندما سقط الاتحاد السوفيتي وتفكك لخمس عشرة جمهورية تحت قيادة غورباتشوف عام 1991، وأنهى نظام الثنائية القطبية- وانتصر الغرب وأفكاره ومبادئه السياسية والاقتصادية، هلل العالم فرحاً بسقوط ليس دولة، ونهاية حقبة، بل لإفلاس نظام وفكر وممارسة شمولية. تشير نظريات العلاقات الدولية أن النظام الدولي يكون في وضع أكثر استقراراً في نظام دولي متعدد الأقطاب، كما هو حال النظام بتوجهه للتعددية القطبية. وتبرز أقطاب، وقوى كبرى-أمريكا- الصين وروسيا بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وقوى اقتصادية كبيرة اليابان والهند والبرازيل وغيرها ضمن مجموعة العشرين. ما يعني توزع مراكز القوة بين أقطاب متعددة، تسعى لحماية مصالحها في نظام عالمي مترابط ومتداخل اقتصادياً وتجارياً واستثمارياً. لذلك من الواقعية والعقلانية السياسية التعاون للربح والأمن الجماعي، وليس شن أي طرف من القوى الكبرى حرباً مفتوحة، دع عنك حربا نووية، حتى تكتيكية. لكن ليس مستبعداً في ظل الاحتقان اندلاع حروب محدودة، وبالوكالة بدعم أطراف متصارعة لتصفية حسابات وإرسال رسائل وإرباك النظام الأمني. كانت حروب الوكالة إحدى ظواهر الحرب الباردة لإشغال وتصفية الحسابات بين القوى الكبرى، كما كانت حربا كوريا وفيتنام بين أمريكا والاتحاد السوفيتي والصين وحلفائهم. وحرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. حيث تم دعم الطرفين لقوى عسكرية محلية في تلك الدول ضمن إستراتيجية الردع والاحتواء بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي إبان حقبة الحرب الباردة. واليوم يحبس العالم أنفاسه لحرب أغلب الظن لن تقع!