27 سبتمبر 2025
تسجيللا أدري البيت الأوّل الذي تهدّم كعقوبة فرضتها جهة محاربة ، أو سلطة مهيمنة ، قبل أن تعدّ اتفاقية جنيف أنّه:" "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً " . كلّ ما أعرفه أنّ بيت سعد بن ناشب المازني قد تهدّم في غروب المائة الهجرية الأولى ، بأمر من الحجاج الذي اتخذ من هدم البيوت عقوبة للمتخلفين عن اللحاق بجيش المهلب بن أبي صفرة . كان سعد بن ناشب صديقنا في منهج الثالث الإعدادي إذ تعاطفنا مع بطلنا الجديد هذا الفاتك البدوي وهو يتصدى للطاغية ، و يغمز من قناته بقصيدة بائية ..كان لزاماً علينا حفظ أربعة أبيات منها ، نردد بعض أجزائها في معارك المراهقين المرحة :" سأغسل عني العار بالسيف جالباً " أو في المساجلات الشعرية التي تستطيع فيها قضم الفاء إذا كان خصمك طيباً :" فإن تهدموا بالغدر داري فإنها / تراث كريم لا يبالي العواقبا " ، وإن حصرك خصمك في زاوية الدال ؛ فستعود إلى المنهج ذاته مستعيراً من قصيدة أبي سلمى الفلسطيني :" داري لئن هدّمها ظالم / في كفّه مدية جزار " دون أن نفكّر بالتناص الواضح بين شاعرَين متوعّدَين وطاغيتَين مهدّمَين . ليس من باب النكتة أن يصرخ الراحل محمد رضا في " الراقصة و الطبّال" :" من هدّ وجد" ، مستجيباً لسخرية قديمة دعا صاحبها أن يترك الشعراء البكاء على الرسوم الداثرة ، وجعلها " تقاسي الريح والمطر" ، الفرق بينهما أن أبي نواس تحدث عن أطلال دارسة بفعل الطبيعة ، لم تنهمر عليها براميل الــ T N T ، و لم تعضّ جدرانها الجرّافات، أو تطعنها القذائف البعيدة ، بينما يفكّر محمد رضا ـ في الفلم طبعاً – في هدّ بيوت الفقراء ليبني مكانها عمارات السوبرماركت التي وشمت جمهوريات الانفتاح الديمقراطية الشعبية ، بينما أقرأ نتائجها في الآتي ، مستعيراً كلمات على صفحة الشاعر السوري عارف حمزة :" البيوت أيضاً ماتت بسبب القصف / لذلك ذهبنا ودفناها/ قبل أن تبدأ هي أيضاً بالتنفّس / إذا مات البحر ماذا سنفعل ؟ قلنا لبعضنا ونجن نسير خلف الجنازات " ، وكما في الشعر بيوت صالحة لسكن المعنى دون الناس ؛ فإنّ في الفيسبوك حيطاناً صالحة لأن تكون عزاء ، دون أن تظلّل أسرة هجّرها القصف . وفي الفيس بوك التقطت صديقين هاربين من بيتيهما في جرمانا والحجر الأسود إلى مناطق أكثر أماناً ، الشاعر الفلسطيني عمر محمد جمعة أخبرني أن مقر رابطة حمص للخريجين التي جمعتنا في لقائنا الأول قد دُمّرت تماماً ، كما أخبرني أن بيت صديقنا الروائي أيمن الحسن قد سُرق بيته بعدما تركه هارباً بأولاده إلى القرى المجاورة ، وغير بعيد وبلادي تدمّر بأيدي أبنائها ، أمرّ على طلول امرئ القيس وزهير وطرفة ، باحثاً عن الديار التي شغفت منا القلوب ، عن جامعة حلب و الكلاّسة و الحيدرية و الوعر والقابون والصاخور، باحثاً في دفاتر الذاكرة عن بغداد التي دمّرت اثنتين وعشرين مرة ، عن ميا فارقين -من يعرف الآن ميا فارقين ؟ - عن المكان ثابتاً ومتحولاً، متذكراً صديقي الشاعر المغربي لبكم الكنتاوي وهو يهذي بالجدران كعلامة من علامات التحوّل :" عمْتِ حائطاً / يا جدتنا الحروب".