12 سبتمبر 2025
تسجيللا تغيب عنا الحاجة الحقيقية من التحدث، فلو كُتب لنا بأن نعيش الحياة، ونحقق كل ما علينا من مهام دون أن ننبس بحرف يُعبر عن ذاك الذي أقدمنا عليه، أو تلك الحالة المزاجية التي صاحبتنا ونحن نفعل، لكان الوضع صعباً لا يُحتمل، ولأصبح كل واحد منا كل ما يمكن بأن يخطر لكم على بال سوى أن يكون إنسانا حقيقياً يتمتع بحرية الرأي والفكر والتعبير، أو أن يتمتع بحق العيش بكرامة تؤكد له (إنسانيته) التي تترجم هويته للآخرين وحقيقة ما هو عليه، وما يطمح بأن يبلغه يوماً (ما)، مما يعني بأن كل ما سبق هو كل ما يدعونا للتحدث، وتفريغ كل ما بجعبتنا من أحداث وإن لم تكن يومية فيكفيها بأن تخرج وتجد لها مستمعاً يستقبلها ويلقفها بشيء من التركيز سيجعله يستفيد منها من حيث المشاركة بالرأي والفكر، وسيجعله يدرك قيمة تقاسم اللحظات الإنسانية التي تعزز ثقته بنفسه وبمن حوله، وتُفعل دوره وسط مجتمعه الذي يحتويه، وهو ما سيأخذنا لنقطة أساسية ألا وهي أن هذه الآلية التي تتضمن (التحدث) تُكسب القلب تواصلاً حميمياً يجعل صاحبه أكثر قدرة على تحقيق مطالبه المتواضعة من خلال ما سيحصده من متابعة غيره، والحق أن ما يفعله الكاتب لا يخرج عن حدود كل ما قد ذُكر؛ لأنه وقبل كل شيء يتمتع بإنسانية تصحبها (ملكة) تجعله الأقدر على التحدث بطريقة قد لا يدركها غيره كما يفعل؛ لنجد بأن الموقف الذي يعيشه وإن تناوله وسلط الضوء عليه بشكل خافت، إلا أنه يصلنا مرسوماً بملامح تجعلنا نعيشه معه، تماماً كما عشت هذا الموقف الذي لا أعرف كيف تصفه كلماتي، ولكنه أزعجني وبشدة ولاشك سيفعل مع كل من يتعرض له؛ لأن سوانا لن يفعل إن لم يملك من الإنسانية ما يكفي؛ ليتفهم طبيعة الموقف، الذي بدأ بمكالمة أجريتها والممرضة التي تتابع حالة والدي الصحية؛ للسؤال عن حل طبي ينقذنا من الأزمة التي وقعنا بها؛ نتيجة تدهور وضعه الصحي، فما كان منها إلا وأن سجلت الحالة وبينت لي بأنها تدرك ما تفعل، ثم وعدت بالتواصل معنا خلال دقائق يمكن بأن تنقذ والدي وأي مريض يعاني من مشكلة (ما)، وما كان مني إلا وأن انتظرت تلك الدقائق، ولكن وقبل أن تنتهي فإن هناك ما قد استوقفني وجعلني أبحث عن حل من مصدر آخر، لربما يمكنه بأن ينقذ الموقف، وهو ما قد حدث فعلاً والحمدلله، فصار كل شيء على خير ما يرام، وأصبح أبي بخير كنا نبحث عنه في كل اتجاه؛ ولأني أدرك معنى المسؤولية، فلقد رأيت ضرورة معاودة الاتصال بتلك الممرضة؛ كي أخبرها بخروجنا من ذاك المأزق، ولكن ولتزايد المهام علي، فلقد تأخرت بفعل ذلك، وبعد مرور ساعة رأيت ضرورة تفريغ نفسي؛ للتواصل معها وإخبارها بأن الأمور كلها على خير ما يرام، وحين تواصلت معها فعلاً، أجابتني وبكل فتور بأنها قد اتصلت بنا؛ كي توفر لنا تلك الاستشارة التي توجهنا إليها؛ بحثاً عنها من أجل والدي، ولكن أحداً منا لم يجب، مع العلم بأن الهاتف قد كان قريباً مني، ولم أغفل عنه حتى للحظة واحدة، ولكن يبدو بأنها قد صدقت كذبتها التي بدت واضحة كقرص الشمس؛ لتؤكد لي بأنها قادرة على توفير (خدمة سريعة)، وهي تلك التي لا أدرك بتاتاً كيف تكون سريعة بعد مرور ساعة من الزمن يمكن بأن يموت فيها المريض (متى قدر الله ذلك)؟ وهو ما أحسبها قد تفوهت به؛ لأن وسيلة التواصل قد كانت هاتفية، والسؤال هنا: هل يعني أن التواصل وإن كان هاتفياً بأنه يُيبح لها بأن تجعل المريض المتصل آخر اهتماماتها؟ إن ما قد خرجت به هذه المرة هي أن هناك من يتولى من المناصب ما يجعله مسؤولاً، ولكنه وللأسف ليس كذلك؛ لأنه لا يدرك معنى المسؤولية التي تتطلب منه المبادرة بالمساعدة، والتقدم بها متى توفر من يطالبه بها، فالحاصل هو أنه يظل مشغولاً بصغائر الأمور التي لا تعود بالفائدة على أحد سواه وذلك؛ لأنه ممن ينادي بمصالحه الخاصة، ولا يفكر بالجماعة بحكم أن الصوت الذي يشغل باله ويجوب أعماقه هو (نفسي نفسي). أيهاء الأعزاء: إن هذا الموقف كغيره من المواقف التي يمر عليها كثر، ولربما يشهد ويعيش غيرنا مع ما سينفطر القلب منه، وهو ما يضعنا جميعاً ضمن قالب ينزف الكثير من الألم، في مقابل شخصيات لا تتمتع بالمسؤولية ولا تدرك معناها الحقيقي أصلاً؛ لأن كل ما يهم في الأمر هو تحقيق كل ما يعني لها أنها بخير وأنها على رأس قائمة المصالح الشخصية، ورسالتي لهؤلاء ولكل من يُعمر حياته ويُدمر حياة غيره بتقاعسه وتثاقله هي، إن كنت لا تدرك واجباتك فلك حق التعرف عليها تلك الواجبات؛ لمزاولتها منذ هذه اللحظة، أو التنحي جانباً والسماح لمن يدرك كيفية القيام بها؛ ليفعل ويسلم الحقوق لأصحابها، مما يعني أنك وحين تختار بأن تكون مسؤولاً، فلابد وأن تتمتع بحس المسؤولية، لا أن تجلس على الكرسي؛ لتمرح وتتباهى بمنصب لا يليق بك، فتفعل دون أن تحقق وتنجز من واجباتك أقل القليل وعلى أقل تقدير، فكل ما نريده منك ومن أمثالك هو تسليم الأمانات إلى أهلها وفي أي قطاع تشغله، كتوفير رعاية طبية عالية، وتوفير تعليم مثالي، وتوفير كل الخدمات التي يحتاجها أفراد المجتمع بشكل لائق يُعبر عن حجم المسؤولية التي تتمتع بها ويتمتع بها غيرك لغيرك.