02 نوفمبر 2025

تسجيل

ظواهر اقتصادية جديدة في العالم

25 سبتمبر 2011

شاركت في النسخة التاسعة من منتدى المراجعة الإستراتيجية للأوضاع في العالم والذي نظمه المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في مدينة جنيف بسويسرا في الفترة ما بين 9 حتى 11 سبتمبر الجاري بغية الوقوف على المتغيرات الاقتصادية الدولية الجديدة. وقد اكتسب منتدى هذا العام أهمية خاصة حيث انتهى في الذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر. وقد اعتبر المشاركون في المؤتمر الحادث الإرهابي ضد نيويورك وواشنطن قبل عشر سنوات بمثابة نقطة فاصلة في التاريخ الحديث. فقد تسبب الحادث في دخول الولايات المتحدة في حرب ضد أفغانستان أولا والعراق ثانيا الأمر الذي أجبر البلاد على صرف أموال ضخمة على الأمن والدفاع. نفقات الحرب في العراق وأفغانستانوهنا نتفق مع الرأي القائل بأن دخول الولايات المتحدة الحرب ضد أفغانستان أولا والعراق ثانيا ساهم في تعظيم المعضلة الاقتصادية التي تعيشها الولايات المتحدة بالنظر لحجم الكلفة المالية. تتمثل المعضلة الاقتصادية الأمريكية هذه الأيام في قيمة المديونية العامة المرتفعة نسبيا والتي بلغت حاجز 14.7 تريليون دولار مع بدء انطلاق المنتدى أي نحو 98 في المائة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. وقد خصصت واشنطن ميزانية ضخمة قدرها 159 مليار دولار للصرف على العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق في السنة المالية 2011. وهناك نية لتخفيض الرقم إلى 118 مليار دولار في السنة المالية 2012 بالنظر للأوضاع الاقتصادية في البلاد. انخفاض قيمة الدولار هناك من يتهم الولايات المتحدة بأنها تركز على معالجة التحديات الاقتصادية التي تواجهها ربما دون النظر للضرر الذي قد يطال الجهات الأخرى. تشمل الحلول الصعبة لمواجهة مسألة المديونية العامة في الولايات المتحدة العمل على تخفيض قيمة الدولار الأمريكي وبالتالي تعزيز القدرة التنافسية للصادرات الأمريكية على مستوى العالم من جهة وتقليص قيمة المديونية العامة من جهة أخرى. بالعودة للوراء، بلغ سعر اليورو 0.87 سنت عند انطلاقه للتعامل في العام 2002. في المقابل، بلغ سعر صرف اليورو في وقت سابق من الشهر الجاري دولارا و 38 سنتا الأمر الذي يعني حدوث تراجع كبير نسبيا في قيمة العملة الأمريكية مقابل العملة الأوروبية. بيد أنه يتسبب تراجع قيمة الدولار في النيل من الموجودات التابعة للدول الأخرى، حيث ينطبق هذا الأمر بالضرورة على الصين والتي تحتفظ بأكبر مستوى من أوراق الاستثمار الأمريكية. فحسب آخر الإحصاءات المتوافرة والتي تعود لشهر يوليو 2011، تبلغ قيمة السندات والضمانات الأمريكية التابعة للصين 1117 مليار دولار أي الأولى بلا منازع بين دول العالم. وفي هذا الصدد، يمكن ربط جانب حيوي للاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة للتعويض عن التجارة البينية، حيث تمتعت الصين بفائض تجاري مع الولايات المتحدة قدره 273 مليار دولار في العام 2010. بمعنى آخر، لا تجد الصين بدا عن استثمار مليارات الدولارات في الولايات المتحدة لضمان عدم تعرضها لضغوط من السلطات الأمريكية وخصوصا في الكونجرس للتعويض عن التباين في التبادل التجاري. لكن تخسر الصين جانبا من قيمة استثماراتها في الولايات المتحدة في حال انخفاض قيمة الدولار وهذا ما يحدث فعليا الأمر الذي يشكل بؤرة توتر في العلاقات بين بكين وواشنطن.تراجع دور مجموعة العشرينإضافة إلى ذلك، نشاطر الرأي القائل بأن الأوضاع الاقتصادية المحلية الصعبة في الكثير من دول العالم تحد من مستوى التعاون الدولي لحل التحديات المختلفة. تعمل مختلف الدول للقضاء على التحديات المحلية من قبيل البطالة والعجز في الميزانيات العامة بدل العمل سويا نظرا لتباين الظروف الموضوعية. وربما هذا يفسر عدم وجود خطة عمل واضحة بين دول مجموعة العشرين والتي تضم بين ظهرانيها كبرى الاقتصادات العالمية. بل يلاحظ وجود نوع من عزوف فيما يخص عقد الاجتماعات وبالتالي تنسيق المواقف بين دول المجموعة والتي تضم فيما بينها السواد الأعظم من الاقتصادات العالمية. وللتدليل على ما نقوله، ابتداء من العام 2011 تم قصر اجتماعات قادة المجموعة لاجتماع واحد سنويا بدل الاجتماعين كما كانت عليه الحال بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية في صيف 2008. فقد عقد قادة المجموعة اجتماعين في العام 2010 الأول في كندا في شهر يونيو. كما تم عقد الاجتماع الثاني في العام 2010 لقادة مجموعة العشرين في كوريا الجنوبية في شهر نوفمبر. بيد أنه من المقرر أن تستضيف مدينة كان الفرنسية النسخة السادسة من اجتماع قادة مجموعة العشرين في شهر نوفمبر المقبل. المديونية في الاتحاد الأوروبييعود جانب من تراجع التنسيق بين دول مجموعة العشرين للظروف الاستثنائية التي تمر بها منطقة اليورو في ضوء المديونيات الصعبة للعديد من الدول الأعضاء في المنظومة. يشار إلى أن دول الاتحاد الأوروبي تتمتع بتمثيل لافت في مجموعة العشرين من خلال عضوية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا إضافة إلى المفوضية الأوربية كممثل عن بقية الدول الأعضاء في الاتحاد. وقد تبين لي من خلال زيارة بعض الدول الأوروبية بأن القاسم المشترك في أحاديث الناس هو أزمة مديونية اليونان والأزمة نفسها في دول أخرى مثل إيطاليا وأيرلندا وإسبانيا والبرتغال. فعلى الرغم من حصول اليونان على مساعدات بقيمة 158 مليار دولار في العام 2010 فقد عاد الحديث مجددا حول حاجة البلاد لمعونة اقتصادية جديدة للتعامل مع مديونية قدرها 465 مليار دولار أي 160 في المائة مقارنة مع حجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وهي نسبة مرتفعة وغير قابلة للاستمرار. يقال في علم السياسة بأن كل السياسات لها منشأ وأهداف محلية، حيث يرغب السياسي بتحقيق مكاسب تنصب في مصلحته أو مصلحة بلاده. ويبدو أن هذا الكلام ينطبق على الأمور الاقتصادية في الوقت نفسه..