12 سبتمبر 2025
تسجيلفي الإمارات اليومَ، أصبح تيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، بطلاً عظيماً، ومناضلاً كبيراً. أما الفاروق عمر، رضي الله عنه، وصلاح الدين وعز الدين القسام، فإنهم غرباء قادمون من عصورٍ وأزمان تلهث قيادة أبوظبي لمحوها من الذاكرة؛ لأنها لا تتناسب مع تجارتها الحرام بالشعوب وكل المقدسات، ولأنها تؤذي مشاعر أشقائها الجدد؛ الصهاينة. في الإمارات اليومَ، تسامحٌ مع كل الذين قتلوا المسلمين، ونهبوهم، أما المسلمون، فإنهم كالأيتام على موائد اللئام، يُوصمون بالإرهاب، ويُحَقَّرُ تاريخهم، وتُشَوَّهُ حضارتهم، فلا صوت يعلو فوق صوت التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولا أهمية للأقصى المبارك، ولا للسور الكريمة التي تحدثت عن قُدسيته، ولا لأحاديث المصطفى، صلى الله عليه وسلم، التي أكدتْ على أن أهل فلسطين، والشام كله، في رباط إلى يوم الدين، وأنهم على الحق، ولا يعنيهم مَنْ خذلهم. في الإمارات اليومَ، تكاد قلوب كثيرين تتصدَّعُ حباً للكيان الصهيوني، وهم يُنشدون، بحماسةٍ عظيمةٍ، نشيده الذي يبدأ بعبارة: طالما في القلب تكمن نفسٌ يهوديةٌ، وينتهي بعبارة: أن نكون أمةً حرةً في بلادنا؛ بلاد صهيون وأورشليم.. وحين نُذكِّرُهم بفلسطين والأقصى المباركِ، ينتفضون كراهيةً، وتَسْوَدُّ وجوههم حقداً، وترتفع أصواتهم بإعلان البراءة منهما. يقول الذباب الإعلامي والإلكتروني الإماراتي إن دولاً عربيةً سبقت الإمارات في اعترافها بالكيان الصهيوني، وهذا صحيحٌ، لكن تلك الدول أبقت علاقاتها معه على المستوى الدبلوماسي، أما شعوبها الكريمة فإنها أظهرت عداءها الحضاري والإنساني للكيان الصهيوني، وأكدت دائماً على عروبة فلسطين، والحق المطلق للفلسطينيين فيها. في حين اندفع كثيرون من الإماراتيين لإعلان حبهم للصهاينة بصورٍ فيها ابتذالٌ وعداءٌ للإسلام، وإنكارٌ لما نَصَّ عليه القرآن الكريم. وبلغ الأمر حداً جعل الطبَّال الأول لولي عهد أبوظبي: عبد الخالق عبد الله يشعر بخطورة نتائج ذلك على الإمارات، فيُغرد داعياً إلى التوقف عن هذا التصهين العلني، لأنه يدرك أن بلاده أصبحت منبوذةً مكروهةً من العرب والمسلمين، وهو أمرٌ عظيم الخطورة عليها. الأمر الجديد في مسيرة الاعتراف الرسمي العربي بالكيان الصهيوني، هو أن الإمارات لم تكتفِ بكونه رسمياً، وإنما جعلته شعبياً، وأخذ كثيرون يتبارون في إظهار عبوديتهم لولي عهد أبوظبي، فيرتدي أطفالهم قمصاناً عليها علم الكيان، ويقومون بتصوير احتفالاتهم داخل بيوتهم، والتي يُبدون فيها تأييدهم له، وحبهم الجارف للصهاينة، وكراهيتهم للفلسطينيين. وهو أمرٌ تنبغي قراءته من جوانب أخرى تتعلق بالنقاء العقائدي لهم، وأصالة انتمائهم للأمة نفسياً وعقلياً؛ لأن ما قاموا به يجعلنا ندرك أن علاقات الشعوب العربية معهم لن تقوم، بعد اليوم، على الثقة بمواقفهم، ولا على اعتبارهم جزءاً أصيلاً منها. وهذا يدفعنا لدعوة الأغلبية الصامتة من الإماراتيين لإنقاذ سمعة بلادهم، وإعلان التزامهم بفلسطين والإسلام والعروبة، ودعوتهم للتطبيع مع الأشقاء العرب الذين عاثت الإمارات في بلادهم فساداً وتدميراً وقتلاً. الجانب الأخطر، في الزفة التطبيعية الإماراتية، هو الحملات المُمنهجة على الشعب الفلسطيني، وتصويره بالمرتزق، واتهامه بكراهية الإمارات. ونقول للقائمين عليها إن الفلسطينيين جزءٌ أصيلٌ منا، وما قدمته الأمة لهم لا يعدو كونه جزءاً صغيراً من حقوقهم عليها، فلا فَضْلَ لأحدٍ عليهم، بل إن الأمة كلَّها مُطالَبَةٌ بشكرهم على ثباتهم وتضحياتهم التي منعت الصهاينة من تحقيق مشروعهم في ديارنا العربية. ثم ماذا تنتظر قيادة أبوظبي من الفلسطينيين وهي تُعلن الحرب عليهم، وتُشارك في جرائم الصهاينة ضدهم، وتُسهم بمالها الحرام في تهويد القدس؟ هل تنتظر منهم أن يُعلنوا حبهم وتأييدهم لجرائمها؟. الغريب في الحملة التطبيعية الإماراتية هو الحديث عن حروب وشهداء الإمارات لتبرير التطبيع، وكأن أحداً يصدق أن الجيش الإماراتي كان في مواجهات دائمة مع الكيان الصهيوني، وهو الذي لا يجرؤ على التجوُّل في المياه الإقليمية لجُزره الثلاث المحتلة. ونحن لا ننكر أنه شارك عسكرياً في فلسطين، ولكن مشاركته الوحيدة كانت بطائرات تجسُّس على المقاومة البطلة في غزة لتمكين الصهاينة من استهدافها، أما حروبه الفعلية فإنها كانت، ولم تزل، ضد شعوب الأمة في اليمن وليبيا وسوريا وسواها من دولٍ ابتُليت شعوبها بمؤامرات ودسائس أبوظبي التي تُؤدى فيها الطقوسُ الدينية والوثنية، وصار الإسلام فيها غريباً. [email protected]