13 سبتمبر 2025
تسجيلاستيقظت مرتبكةً وغارقةً في العرق وتحسّ بوخزٍ غريب بين ضلوعها وألمٍ في أسفل البطن. جلست تستعيد الحلم، تحاول تجميله بالخيال الواعي، أرادت أن توقف الهلوسة عند عقد الماس ويد السلطان التي تتنزّه بين ثنايا شعرها، أرادت أن تحذف الخنجر والدم والدابة الأخوية وبصاق ولد الحُور المرّ... لم يكن الأمر سهلاً ولم تستطع أبداً أن تتغاضى عمّا فعله جبروتي، حتى لو كان ذلك داخل هلوسة. اعتدلت في جلستها ونادت على نجَّام الذي كان متوفراً بقربها وساهراً وهاضماً لنعاسها منذ كانت تبتسم وحتى لهثت وتشنجت وقامت تسبح في العرق.– نعم يا رائعة. ناداها بلقب طالما تمنّت أن تمتلكه وكأنه كان يقرأ أمنياتها: يا رائعة! يا رائعة! تمنّت أن يولد ذلك اللقب في صغرها حين كان الصغر رائعاً بالفعل؛ تمنت أن يولد في ميعة الصبا التي لم تكن أبداً غير ميعة فقيرة، وتمنت أن يولد حين صاحت في الجمع، وحين بكت، وحين حملها التعاطف الكبير في الأيدي... يا رائعة! يا رائعة!– جئني بجبروتي ولد الحُور فوراً.– لماذا؟– لقد انتهيت من التفكير. قالتها وألقت برأسها إلى الوراء في حركةٍ غامضة. إذن فقد دخل جبروتي عالم الرزينة الحقيقي بقوة، أو خرج من ذلك العالم بقوة. كان الليل في أشد ساعاته ظلاماً وفي أكثر أيام الشهر انعداماً للرؤية، التفاصيل غير المكتملة، الظلال، كلاب الفقر تنبح بعصبية، قططه تموء بتخاذل، ولا بدّ من ثعابين وعقارب ومصائب لا تعدّ ولا تحصى. كان جبروتي في الحي نفسه، ولكن الحي موحش، والرزينة تريد جبروتي ولن تسكت حتى يجيء. – الصباح رباح يا رائعة. – لا. – الناس نائمون يا رائعة. – لا. – لا يوجد قمر يضيء، لا توجد رؤية. – لا. استعان نجَّام بفانوسٍ شاحب وناضب الوقود تقريباً، كان يمشي ويلتفت، ويقف ويلتفت، يشمّ عواءً في الظلال ويرى بعيني الخوف المفتوحتين شجرةً تتحرك أو كلباً يسعى إلى العض. تجربة أمومة الرزينة لماذا تجربته هو دون سائر أهل السلطنة؟ ولماذا تجيء تلك التجربة بالذات وفي هذه الظروف؟ نصيب، لا بدّ أنه نصيب. وصل إلى جحر جبروتي والمشقة ليست حوله ولكنها ترتديه، كان الباب موارباً وكان الدخول ملاذاً وكان جبروتي ساهراً وعلى ضوء فانوس هزيل، لعله يبكي أو لعله يصنع عطراً مسمّماً، ولأول مرة لاحظ نجَّام أن ولد الحُور كان نحيلاً جداً، وجهه فكّان بلا كساء وهيكله مجرد هيكل عظمي، وكان متأنقاً في ثوبٍ رمادي وسروالٍ أبيض وعمامة أولاد العاصمة غالية الثمن. لم تكن هيئة رجلٍ نام واستيقظ، ولا هيئة رجلٍ نعس، ولكنها هيئة رجلٍ لن ينام ولن ينعس. لم يكن متفاجئا بزيارة نجام، بل على العكس كأنه كان ينتظرها: ثمة بنٌّ يُعدُّ في موقد، وثمة أكواب مزركشة، وترحيب أنيق هبّ من وسط الدمع:– اجلس يا نجَّام، اجلس. جلس على الأريكة الخشبية الوحيدة في وسط جحرٍ لم تكن فيه سوى طاولة ومقعدين وأريكة خشبية. كان في حاجة إلى وخز البن فلم يرفضه، وفي حاجة إلى التقاط الأنفاس فالتقط أنفاسه:– الرزينة تريدك يا جبروتي.