11 سبتمبر 2025

تسجيل

مناورات بحر اليابان ودق طبول الحرب

25 يوليو 2023

يجري الجيشان الروسي والصيني حاليا مناورات بحرية عسكرية ضخمة مشتركة لأول مرة في بحر اليابان قد تستمر لبضعة أيام. وفي واقع الأمر إن قراءة تلك المناورات لاسيما وانها تجرى بين البلدين في موقع جديد لأول مرة وهو بحر اليابان، ينبغي أن يكون من منظور وسياقات أوسع وأعمق. فتلك المناورات ليست تأكيدا على التحالف الروسي- الصيني كما يذهب البعض، وليست أيضا رداً على المناورات الثلاثية الأخيرة بين واشنطن وطوكيو وكوريا الجنوبية، والتي جاءت ردا على تجارب كوريا الشمالية الصاروخية. بل هي بكل وضوح تأكيد على حشد واستعداد كل معسكر للمعركة الكبرى الحاسمة التي ستجرى رحاها في المحيط الهادئ والباسيفيك. لم تنشئ الحرب الروسية- الأوكرانية نظاماً دولياً جديداً، حيث إن تأسيس نظام دولي جديد له شروط ومظاهر محددة أكثر راديكالية ووضوحا- بل أسهمت في تشديد حدة الصراع بين المعسكرين الرئيسيين في النظام الدولي: المعسكر الغربي بقيادة واشنطن ويضم حلفاءها الأوروبيين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وأستراليا. والمعسكر الشرقي بقيادة الصين ويضم روسيا وكوريا الشمالية وإيران وبيلاروسيا. ومدعاة تشديد حدة الصراع تكمن بشكل أساسي من تفاقم مخاوف المعسكر الغربي من هيمنة المعسكر الشرقي على النظام الدولي بعدما اجتاحت روسيا أوكرانيا وهددت ولا تزال باستخدام السلاح النووي ضد الناتو وأوروبا، وهذا سيناريو كان قد استبعده الغرب بصورة كبيرة. لذا، فبخلاف ازدياد التعاون والتضامن بين المعسكر الغربي بعد الحرب الأوكرانية والذي تجسد عمليا في الدعم العسكري الواسع لأوكرانيا؛ قامت اليابان بإصدار وثيقة استراتيجية جديدة تعلن فيها التخلي عن سياسة عدم التسليح ورصد مبالغ هائلة لإعادة تسليح نفسها، وعلى غرار اليابان كانت ألمانيا برصدها ما يناهز الـ 50 مليار يورو في إطار إعادة التسليح. كما أصدر الاتحاد الأوروبي البوصلة الاستراتيجية الرامية لتعزيز التعاون العسكري الأوروبي وتحقيق الاستقلالية الأمنية على المدى البعيد. وعلى جهة أخرى، قام حلف الناتو بعمل عدة مراجعات رامية لزيادة الإنفاق وإعادة التموضع في أوروبا، واستكمال عمليات التوسع الشرقي. ففي قمته الأخيرة قد اعلن رسميا عن ضم السويد، والتي سبقتها فلندا بالانضمام، كما أعلن عن بحث ضم أوكرانيا وجورجيا في المستقبل. ويجدر الذكر أن السويد وفنلندا كانتا من الدول المحايدة منذ الحرب العالمية الثانية الرافضة تماما للانضمام إلى أية تحالفات عسكرية. وتسعى كل من روسيا والصين من مناورات اليابان، إلى إرسال العديد من الرسائل خاصة للولايات المتحدة. وأهمها، أننا مستعدون للمعركة في طول وعرض المحيط الهادئ وليس حول بحر الصين الجنوبي والباسيفيك فقط. هذا علاوة على الأهمية البحرية والاستراتيجية لبحر اليابان، كما أن سياسة حشد التحالفات التي برع فيها بايدن لن تخيفنا ولن تردعنا. وربما تلك الرسالة تعنى أكثر الصين عن روسيا. فروسيا على وجه الخصوص ترمى إلى إرسال رسالة للغرب مفادها أننا ما زالنا قادرين على المواجهة وإدارة الصراعات على حدودنا الشرقية، ولن يكسرنا تقدمنا البطيء في أوكرانيا، ولا الانشقاقات الداخلية كتمرد فاجنر. وربما ترمى روسيا من تلك المناورات إلى الضغط على الغرب وتأكيد استمرارية التحالف مع الشريك الصيني القوى، لإيقاف دعمه العسكري لأوكرانيا الذي تطور إلى تزويد أوكرانيا بطائرات ومضادات صواريخ حديثة. ولا نستبعد أيضا رسائل روسية لليابان مفادها استمرار تمسكنا بالسيادة على الأرخبيل البحري المتنازع عليه مع اليابان، وذلك في ضوء إعادة التسليح الضخمة التي تجريها طوكيو حاليا، لاسيما وان المناورات تجرى بالقرب من اليابان ذاتها. ومن المهم التأكيد على أن إعادة تسليح اليابان بالأساس موجه ضد القوة الصينية وعنادها تجاه الجزر المتنازع عليها مع اليابان في بحر الصين الشرقي. ونافلة القول، في تقديرنا أن مناورات بحر اليابان تمثل شريط البداية لطبول الحرب العالمية الثالثة، حيث ستعقبها سلسلة من المناورات المضادة، والتحالفات الجديدة ستفضى حتما إلى الصدام الأكبر المرتقب بين المعسكرين. فالمعسكر الشرقي على وجه الخصوص يشعر بالقوة الكافية لتحدى الغرب بقيادة واشنطن والسير بخطوات ثابتة نحو القيادة الدولية المستحقة كما يظن. ولعل أكبر دليل على ذلك هو تحدى بكين واشنطن بشكل غير مسبوق في تايوان وبحر الصين الجنوبي. ويعلمنا التاريخ أن الحروب العالمية الكبرى غالبا ما تسبقها مشاحنات رهيبة وتحالفات وحشد معارك وطرف قائد يسعى إلى إدامة قيادة، وطرف صاعد يتحدى بقوة القائد لا يتزعزع عن حلم تبوؤ القيادة الدولية المستحقة نظير امتلاكه كل مقومات القوة القائدة.